الحبس الاحترازي غير المبرر للمنسق العام لائتلاف المعارضة، وأمين عام "حشد" النائب السابق مسلم البراك لم يكن سوى القشة التي فجرت الغضب الشعبي، الذي يعتمل في النفوس منذ سنوات سدت خلالها القنوات السياسية والدستورية، التي كانت تستوعب الصراع السياسي، واستبدلت بقنوات صوريّة وأجهزة شكلية تابعة للحكومة وغير مقبولة عند قطاع واسع من الشعب.

Ad

 لقد تم إقصاء مكونات أساسية وتهميشها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، فاستخدمت بعض الأدوات المأجورة من أفراد ووسائل إعلام غير مهنية لنشر خطاب الكراهية والطعن في الولاء والانتماء الوطنيين لمكونات اجتماعية أصيلة، في محاولة بائسة وتعيسة لحرف الصراع السياسي عن مجراه الأساسي، وهو الأمر الذي أدى إلى تمزيق النسيج الاجتماعي، وشعور فئات أساسية في المجتمع بالظلم الاجتماعي والتهميش السياسي؛ مما راكم الغضب العارم في النفوس وجعل الصراع السياسي ينتقل، جبراً، إلى الشارع والساحات العامة.

 احتكار السلطة وإقصاء مكونات اجتماعية وسياسية أساسية أديا إلى ضيق قاعة المشاركة السياسية في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، حيث أصبحت حكراً على دائرة اجتماعية ضيقة مرتبطة فيما بينها بشبكة علاقات اقتصادية وتجارية، فضعفت بالتالي الرقابة الشعبية، وارتفع معدل الفساد السياسي المؤسسي، وانكشفت فضائحه الكبيرة التي أصبحت تفاصيلها تتداول في الدواوين والمنتديات العامة، وفي وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي الوقت الذي تقف فيه الحكومة صامتة أمام فضائح الفساد السياسي التي طالت المؤسسات الدستورية والسلطات العامة، فلا تحرك ساكناً ولا تحاسب أحداً من كبار الفاسدين، فإنها تعلن توجهها الصريح لتحميل الفئات الوسطى والشعبية تبعات الإدراة السيئة للمالية العامة للدولة من خلال رفع الدعم المستحق على السلع والخدمات الأساسية، وزيادة الرسوم الحالية، أو فرض رسوم جديدة، والاستمرار في تبني سياسات اقتصادية نيوليبرالية متوحشة مثل الخصخصة، بينما ترتفع، في المقابل، معدلات البطالة بين الخريجين، ويزداد التضخم وغلاء المعيشة، ويتردى مستوى الخدمات العامة، وتُفصّل القوانين مثل قانون الـ"بي أو تي" للاستيلاء على أراضي الدولة وأملاكها.

 مما يدل على انحياز الموازنة العامة (أقرت الأسبوع الماضي موازنة ضخمة للغاية بلغت 23 مليار دينار) وعدم العدالة في توزيع الثروة الوطنية، وهو الأمر الذي بدأ عموم الناس يلاحظونه؛  فزاد من حالة الاحتقان الاجتماعي والسياسي والغضب الشعبي، لا سيما في أوساط الشباب المتعلم والواعي، وهم أغلبية المجتمع الذين يرون بأم أعينهم التعدي الصارخ على الدستور، وهدر المال العام، وتوجيهه إلى مصالح مجموعات تجارية معينة، والتعسف والانتقائية في تطبيق القانون، مما أفضى إلى اهتزاز ثقتهم بمؤسسات الدولة وسخريتهم من الكلام الإنشائي المرسل الذي تكرره وسائل الإعلام الرسمية عن دولة الدستور والقانون والمؤسسات والعدالة في توزيع الثروة.

وكما قلنا مراراً فإن حل الأزمة السياسية الخانقة لن يتحقق بالقبضة البوليسية التي ستزيده تعقيداً وصعوبة، بل يتطلب حلولا سياسية جريئة تكون بدايتها الاعتراف بالأخطاء والتراجع عنها، ثم المبادرة بطرح مشروع دولة مدنيّة ديمقراطية عصريّة يلتف حوله الجميع، وتُفتح من خلاله القنوات الطبيعية للصراع السياسي الصحّي والمشروع.