نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالة مطولة ومرعبة حول مشاكل التقاعد في مدينة نيويورك، وفي السنة المقبلة وحدها سوف تخصص المدينة لرواتب التقاعد أكثر من 8 مليارات دولار، أو 11 في المئة من الميزانية، ويمثل هذا الرقم زيادة بأكثر من 12 مرة عن إنفاقها في سنة 2000 عندما كانت الدفعات تشكل أقل من 2 في المئة من الميزانية.

Ad

ولكن بدلاً من أن تصغر أصبحت ثغرة التقاعد في المدينة أكبر وأكبر، مفضية إلى مزيد من الخفض البارز في البرامج والخدمات البلدية في كل سنة، وكما هو شأن أنظمة التقاعد في أماكن أخرى، تعرضت نيويورك لضغوط  نتيجة زيادة عدد المتقاعدين الذين يعيشون لفترات أطول ولظروف الأسواق العالمية وعوامل أخرى.

ولكن مراجعة دقيقة لمشاكل النظام تكشف قضية أكثر بروزاً وأهمية: لقد أخفقت استراتيجيته الاستثمارية في مواكبة تكاليفه المتنامية التي أعاقتها بنية إدارة عتيقة وغير فعالة تسمح في أغلب الأحيان للسياسة بالتدخل في قراراته، ويتوزع النظام الذي تبلغ موجوداته 160 مليار دولار على خمسة صناديق منفصلة، لكل واحد منها مجلس أمناء خاص به، وتتخذ كلها قرارات بمشاركة من مستشارين وحتى مشرعين.

المشكلة الجوهرية

وتتمثل المشكلة الجوهرية بأن العوائد لم تواكب التوقعات المتفائلة للمدينة، وفي سنة 2012 خفضت نيويورك أخيراً توقعات العوائد من 8 في المئة إلى 7 في المئة، ولكن بعد عقود من التفاؤل المفرط الذي خلف ثغرة عملاقة كان يتعين توزيع الدفعات على أكثر من عقدين من الزمن بغية تقليص التداعيات المالية، وعلى الرغم من ذلك قد لا تكون هذه خطوة كافية، ومن المحتمل أن تكون نسبة الـ7 في المئة وردية السمة إلى حد كبير.

ومثل العديد من صناديق التقاعد الولائية والمحلية حاولت نيويورك تعويض الفارق بين توقعاتها وبين ما يطرحه السوق بشكل فعلي، وذلك عبر التوجه نحو استثمارات أكثر خطورة، وقد واكب تلك الاستثمارات الأكثر تعقيداً درجة أعلى من الرسوم... مع إمكان حدوث خسائر كبيرة، ويبدو أن المدينة اتخذت خطوة رئيسة واحدة على الأقل من خلال صندوق الأسهم الخاص الذي أغلق في سنة 2011.

يريد العديد من الناس عودة نيويورك الى استثمارات أكثر محافظة وبادارة مديرين من الداخل، وقد أشرف رئيس بلدية المدينة السابق مايكل آر على  جهد يرمي الى التحرك في هذا الاتجاه قبل عدة سنوات، ولكن مسألة رئيسية واحدة تعترض هذا المسار: السياسة، والأمر لا يقتصر على التأثيرات المالية التي سوف تواجه المدينة نتيجة اتباع أسلوب أقل مجازفة وأكثر واقعية، بل على المعارضة من جانب الاتحادات أيضاً.

من الناحية النظرية يتعين على الاتحادات قيادة الحملة نحو مزيد من المقاييس المحاسبية المحافظة، وعلى أي حال فإن مهمة تلك الاتحادات التأكد بصورة قاطعة من أن في وسع أعضائها التعويل على أموال التقاعد في المراحل المتقدمة من العمر، وبشكل عملي توجد لدى الاتحادات في أغلب الأحيان أولويات أخرى، ولنشاهد مدينة ديترويت، حيث لم تتخذ الاتحادات أي خطوة لمنع سوء الإدارة المروع في صناديق التقاعد.

وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن الاتحادات في نيويورك لا تريد التحرك نحو محاسبة تقاعد أكثر محافظة، لأنها إن فعلت ذلك فسوف يتعين على المدينة ضخ المزيد من الأموال في البوتقة... وقد يعارض دافع الضرائب تلك الخطوة ويحشد ضد عمال الاتحاد الذين وضعوه في هذه المحنة.

مساوئ التأجيل

وسوف يفضي التأجيل طبعاً إلى تفاقم المشكلة في نهاية المطاف، وخلال العقود القليلة المقبلة سوف نقف وجهاً لوجه أمام مزيد من المشاكل على غرار ما حدث في مدينة ديترويت: أموال التقاعد التي يتعين دفعها، من الوجهتين القانونية والأخلاقية، ولكن لا يمكن القيام بذلك في ظل طرح مستوى مقبول من الخدمات الحكومية، ثم إن جيوب دافعي الضرائب ليست مصادر لا تنضب والمدن والولايات التي تطلب الكثير سوف تشهد هجرة مواطنيها نحو جهات تتسم بقدر أكبر من المسؤولية المالية.

لكن المشكلة تكمن في أن التأجيل، وفي أي وقت، يبدو خياراً أفضل، وكلما ازدادت الأزمة سوءاً بدا التأجيل أكثر جاذبية لأن الحساب مؤلم جداً في الأساس، حيث تحدث رئيس بلدية نيويورك الجديد بصورة مقتضبة فقط عن التقاعد في المدينة، وربما كان من الأفضل له من الوجهة السياسية أن يلتزم الصمت، ومن المؤسف وجود اختلاف كبير هنا مع مصالح متقاعدي المستقبل والمدينة.