"الزعتري"، ثاني أكبر مخيم للاجئين على مستوى العالم ورابع أكبر مدينة من حيث الكثافة السكانية على أراضي المملكة الأردنية الهاشمية، لا يبعد المخيم المقام على مساحة 220 ألف متر سوى أقل من 15 كلم على الحدود السورية، كل اللافتات في الطرق المؤدية للمخيم تشير إلى الطريق إلى قلب الشام "سورية"، لكن لا أحد يتوجه للحدود دون تصريح مسبق من القوات المسلحة الأردنية، بينما يأتي اللاجئون الى المخيم بشكل يومي من الحدود السورية.

Ad

«الكرفان»

تصل العائلات إلى المخيم ثم تتسلم خيمة للإقامة المؤقتة بها حتى يأتي عليها الدور لتحصل على "كرفان"، بعض العائلات لا يستغرق الأمر بالنسبة لها سوى أسابيع قليلة والبعض الآخر يقضي أشهرا في انتظار الكرفان، لكن يبقى الحصول على الكرفان الصغير الذي تصل مساحته إلى 13 مترا تقريبا هو الحلم الأكبر للأسر اللاجئة.

"الجريدة" زارت المخيم وسط أجواء العاصفة الثلجية التي ضربت بعض دول المنطقة، لتشاهد آثار الثلج حول الخيام والكرفانات والطرق التي أغرقتها مياه الأمطار لتضع آلام الأسر المغتربة أمام أقسى لحظات الشقاء.

بوابة المخيم

الطريق إلى المخيم يبدو هادئا لا يعبر عن ما يحتويه من مشكلات يفتقر معها أهله لأدنى مستويات الحياة الكريمة، ما بين بوابة المخيم والبوابة الرئيسية نحو 600 متر من الطريق المرصوف، بينما يمنع رجال الشرطة الأردنية الوصول إلى المخيم للسيارات المقبلة من أماكن مختلفة باستثناء المصرح لها.

بعض الأسر خرجت من المخيم بتصريح وترغب في العودة، وهذا يعني أنها سوف تضطر للنزول على الطريق السريع، مع انتهاء الطريق المخصص للحافلات العامة، فيما تسير النساء والأطفال المسافة المتبقية على أقدامهم توفيرا للنفقات، فالسيارات المتوقفة ما بين الطريق والبوابة الرئيسية يطلب قائدها دينارا أردنيا (1.40 دولار) للشخص في المتوسط، لكي يسمح له بركوب السيارة، وينتهي دوره عند البوابة الرئيسية للمخيم، حيث لا يُسمح له بالدخول.

السلطات الأردنية تشترط بحسب أبو فراس - سائق لسيارة تحمل اللوحات الأردنية - أن يكون مالك السيارة أردنياً حاصلاً على ترخيص بالقيادة من دون أن يكون مداناً في أي قضايا، مشيرا إلى أنه حصل على الترخيص بعد استيفاء الشروط المطلوبة حتى يتمكن من العمل في هذه المنطقة.

الأطفال والعمال

في الطريق الذي يبدو قصيرا على الشباب طويلاً على الكبار في الأجواء الباردة والحارة، تجد عشرات الأطفال حاملين جراراً صغيرة يحاولون الاسترزاق منها، ويحملون الحقائب لمساعدة الوافدين أو الخارجين من المخيم على أمل الحصول على قروش قليلة.

على بعد أمتار من المخيم، يمكنك مشاهدة الخيام التي تمنحها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للأسر فور وصولهم للإقامة بها، فبعض هذه الخيام قام أصحابها ببيعها في الخارج للحصول على النقود، حيث يقوم السماسرة بشراء الخيام الجديدة مقابل 40 دينارا أردنيا في المتوسط، أما المستعملة فيتم شراؤها بنصف القيمة.

ووفقا للمتحدث الرسمي باسم إدارة المخيم غازي السرحان، فإن اللاجئين يتم استقبالهم خلال 45 منفذاً غير رسمي على طول الحدود السورية - الأردنية بخلاف المنفذين الرسميين بين سورية والأردن حيث يتم تأمين نقلهم داخل الأراضي الأردنية من خلال القوات المسلحة والتي تقوم بإيصالهم إلى مخيم رباع السرحان.

وأضاف ان هذا المخيم بمثابة مخيم استقبال للأسر والأفراد القادمين من سورية يتم من خلاله الحصول على معلومات حول الأسر الوافدة وترحليهم بعدها إلى أحد المخيمات السورية في الأردن، مشيرا إلى أن الغالبية العظمى يتم ترحيلهم إلى الزعتري باعتباره أكبر المخيمات، نظراً إلى طاقته الاستيعابية الكبيرة.

تجارب مروعة

أحمد وعبدالله ومحمد 3 أطفال من درعا لم يتعرف بعضهم الى بعض سوى من خلال العمل، فرغم أنهم من ريف درعا، فإن قدومهم للمخيم في توقيتات متتالية وبحثهم عن العمل لمساعدة عائلتهم كان سببا لتجمعهم، فقد أحمد وعبدالله والديهما، بينما فر محمد برفقة أبيه بعد مقتل عمه على يد الشبيحة.

"لو بتحسوا بينا ما كنتوا تركتونا هيك"... كلمات يقولها الأطفال الثلاثة لزائري المخيم، فالأطفال الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و13 عاما لم يذهبوا إلى المدرسة منذ أن قدموا إلى المخيم، حيث خرجوا من صفوف التعليم الابتدائي، وتحصلوا على 20 ديناراً بعد وصولهم إلى المخيم وقاموا بشراء العربة التي يعملون عليها من أجل كسب مورد للرزق.

شاهد أحمد مقتل أبيه وعمه على يد الشبيحة بقريته في ريف درعا، بينما عرف عبدالله بوفاة والده خلال وجوده في المزرعة، لكن لم يتمكن من الوصول إلى جثمانه، ويقوم بدفنه حتى يمكنه زيارة قبره بعد ذلك بسبب استمرار القصف الجوي والمدفعي للمنطقة.

فر كل طفل مع والدته وأشقائه عبر الحدود، جاؤوا إلى المخيم ليبدأوا حياة جديدة لا يعرفون إلى أين ستستقر بهم الأحوال، فيما يلعبون ويلهون بالعربات عندما لا يجدون زبائن لعرباتهم الصغيرة.

ووفقا لتقرير صادر مؤخرا عن الأمم المتحدة بعنوان "مستقبل سورية - أزمة الأطفال اللاجئين"، فإن الأزمة السورية أدت إلى تفكك العائلات، حيث يعيش ما يزيد على 70,000 عائلة سورية لاجئة دون آباء، وأكثر من 3,700 طفل لاجئ غير مصحوب أو منفصل عن كلا والديه، فيما تلقى أكثر من 1000 طفل في مخيم الزعتري بالأردن علاجاً لإصابات ترتبط بالحرب.

ويؤكد التقرير أن غالبية المتاجر الصغيرة في مخيم الزعتري البالغ عددها 680 متجراً تقوم بتوظيف الأطفال، فيما يؤكد أن عدداً لا يُحصى من العائلات اللاجئة التي تنعدم لديها الموارد المالية تقوم بإرسال أطفالها للعمل لتأمين احتياجاتهم المعيشية الأساسية، بينما تعتمد أسرة لاجئة واحدة من بين أسرتين من الأسر التي شملها الاستقصاء على الدخل الذي يكسبه الطفل.

على باب المخيم لا يسمح بالدخول إلا لحاملي التصريحات، أفراد أمن لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين وسيارتين للشرطة تقوم بالحراسة بينما تقع نقطة الشرطة المسؤولة عن المخيم ومقار المنظمات الدولية على أبواب المخيم الكبير، فيما ينقسم من الداخل إلى 12 منطقة بعضها مزود بالخيام والبعض الآخر بالكرفانات التي تشاهدها تارة منعزلة وتارة متلاصقة.

لا يحيط بالمخيم أي أسوار، وهو ما يجعل عمليات التهريب تتم بشكل علني أحيانا، في وضح النهار، فقط ارتفاع نحو نصف متر من التراب يحيط بالمخيم، بينما تدخل الشاحنات إلى المخيم من باب آخر، فيما يتسلل بعض المقيمين في المخيم للخروج والدخول عبر السواتر الترابية، بل يصل الأمر في بعض الأحيان الى هروب أسر بكاملها من المخيم.

لا تبدو الكرفانات التي يعيش فيها اللاجئون في مستوى واحد، فبعضها يحوي طبقاً هوائياً لاستقبال المحطات الفضائية، بينما تشهد كرفانات أخرى وقد حولها أصحابها للأنشطة التجارية، فيما تحمل غالبية الخيام أسلاكا صغيرة ممتدة على الأرض من أعمدة الإنارة القريبة منها.

يعمل عبدالقادر الطفل الذي لم يتجاوز عامه العاشر إلى جوار والده العجوز في وضع المزيد من الطين حول الخيمة التي تسلموها قبل أيام قليلة مع وصولهم إلى المخيم، بينما يلهو أشقاؤه الثلاثة حول الخيمة في انتظار مسؤول مفوضية الأمم المتحدة لاستلام كرفان خاص بهم.

يبحث والد الطفل الرجل الأربعيني عكلة خلوف مبارك عن مسؤولي المخيم بين المارين أمام خيمته بالزعتري، بينما يحاول الاتصال بأبنائه الكبار المقيمين خارج المخيم دون جدوى بعدما انقطعت أخبارهم عنه خوفا من تتبعهم عبر الاتصالات التي كان يستقبلهم منها، فيما ينتظر تسلم مدفأة وعده بها مسؤولو المخيم.

عائلات تفرقت

يقول الأب إنه من سكان ريف إدلب السورية، وكان يعيش باحدى قراها، لكنه اضطر إلى الفرار من الصراع بعد وصول قذائف المدفعية الى القرب من منزله، مشيرا إلى أن الدار التي يمتلكها تهدمت في الصيف الماضي، مما اضطره إلى الهرب ليقيم مع أحد أشقائه في مدينة حلب، قبل أن يضطر إلى الهروب الى الأردن.

وأضاف أنه قرر الهرب من سورية بعدما لم يستطع 6 من أبنائه دخولها، وبعدما أدرج البعض أسماءهم كمعارضين للنظام السوري خلال وجودهم للعمل في الأردن، حيث فقد الاتصال بهم عدة شهور، لافتاً الى أنه فر من سورية برفقة أبنائه السبعة الذين يعيشون معه إلى الأردن خوفا على حياتهم.

يتذكر مبارك رحلة خروجه من سورية، قائلاً: "قررت الخروج مع زوجتي وأبنائي الستة، ولم نستطع الخروج بالطرق الشرعية خوفا من وجود اسمي أو أي من أبنائي الصغار على قائمة المعارضين، فالقوات النظامية تقوم بإطلاق النار على الفور في حال وجدت الاسم ضمن صفوف المعارضة، والتي يمكن أن يكون قد وضعها أحد الأشخاص الذين نختلف معهم بعيدا عن السياسة".

وأضاف: "استغرقت الرحلة 3 أيام حتى تمكنت من الوصول إلى الأردن، رغم أن الطريق مباشرة لا يستغرق سوى عدة ساعات، لكني هربت من نقاط التفتيش، فخرجنا من حلب ومنها إلى نبق، ثم الرقة، ومنها على الجبال حتى وصلنا إلى حمص ومن خلال الطرق الجبلية وصلنا إلى الحدود الأردنية مع عدة أسر لتقوم السلطات بعدها بنقلنا إلى المخيم".

يشير مبارك إلى ابنته الصغيرة تبارك بيده، قائلاً: "أنا مشيت من هنا علشان تبارك وإخوتها كانوا يفزعون عندما يسمعون صوت الطائرات والقنابل، كل يوم عشرات التفجيرات نسمع صوتها قريبة منا، وفي كل مرة تبكي هي وشقيقتها، لذا كان لابد أن أهرب بهم من الجحيم، وأحمد الله على الحياة هنا، فرغم صعوبتها، لكنها أكثر أمانا من سورية".

ويؤكد مبارك أن اثنين من أشقائه لايزالان في سورية، وسيحاول الاطمئنان عليهما من خلال الهواتف عندما تكون لديه القدرة المالية، مشيرا إلى أن أشقاءه لم يفروا برفقته، لأنهم ليس لديهم أطفال يشعرون بالفزع، بالإضافة إلى اعتيادهم على ما يحدث، حيث يعيشون سويا في حلب داخل منزل عائلتهم.

لم ينشغل الرجل الذي تزوج وهو في الرابعة عشرة من عمره بالسياسة طيلة حياته، حتى في الأيام الأولى للثورة السورية لم يتوقع أن يغادر بلدته الصغيرة بريف إدلب، مشيرا إلى أن أصوات القنابل كانت بعيدة عنهم حتى بعد مرور عام من بداية الثورة حتى بدأت تقترب تدريجيا من قريتهم الصغيرة، لتصل قذيفة إلى منزله من إحدى الطائرات الحربية، فتجعله مساويا للأرض.

أطفال يدفعون الثمن

أمام مجموعة من الكرفانات المقدمة من دولة الكويت يلهو الطفلان أمجد، وعبد الرحمن بالكرة أمام المنزل، فهما من ريف درعا دفعهما القتال لترك بلدهما قبل عدة شهور مع عائلتهما، ليبدآ حياة جديدة في المخيم ويلتحقا بالمدرسة السعودية ويدرسا بالصف الرابع الابتدائي.

يدرس الطفلان في التوقيت المسائي للمدرسة من الثانية عشر وحتى الرابعة، فيما لم يحصلا على الكتب الدراسية حتى الآن وهما مكتفيان بالدفتر الذي يتم فيه تدوين الدروس.

يتذكر أمجد مدرسته في ريف درعا، قائلاً: "كانت مدرستي مكونة من طابقين وتركناها، لأننا كنا نخاف من أصوات القنابل والطائرات التي كنا نسمعها باستمرار، أما هنا فلم أجد مثلها، ولم أحصل على الكتب حتى الآن".

أثير النظام يلاحقهم

"هنا دمشق موعدنا الآن مع برنامج ما يطلبه المقاتلون"... هكذا كانت تتحدث إذاعة دمشق عبر الموجات القصيرة 92.7 إف إم عندما كان عبدالله وهو طفل في العاشرة من عمره يقوم بإدارة مؤشر الراديو الصغير الذي يستمع من خلاله للأغاني المختلفة عبر أثير الإذاعات، فيما طلب منه والده خالد أن يغير الإذاعة لأنها لن تذيع أغانيه المفضلة.

يدرك عبدالله أنه ترك بلدته في ريف إدلب وجاء إلى المخيم برفقه والديه بسبب الحرب في بلاده، لكنه لا يدرك تفاصيلها، يعرف أن عمه مات شهيدا خلال المقاومة، لكنه لا يعرف كثيرا في السياسة، لكن ما يعرفه أنه ترك مدرسته منذ عامين، بينما يدرس في الصف الرابع بالمدرسة السعودية التي أسست بالمخيم بلا كتب حتى الآن.

يقول خالد والد عبدالله إنهم مقيمون بالمخيم منذ 7 شهور انتقلوا خلالها من خيمة صغيرة يعيش فيها برفقة زوجته وأبنائه الثلاثة إلى كرفان، بينما يذهب ابنه للمدرسة السعودية بشكل غير منتظم بين الحين والآخر، لا يتوجه أشقاؤه للمدرسة على أمل أن يعودوا إلى سورية قريبا لاستكمال دراستهم هناك بعد أن توقفوا عن الذهاب للمدرسة قبل عام من هروبهم إلى الزعتري.

يشير الوالد الثلاثيني إلى أن أثير موجات الراديو السورية يصل إلى الزعتري بوضوح، لكنه لا يفضل سماعها كونه يعرف محتواه المسبق، موضحا أن أغاني التأييد للرئيس السوري بشار الأسد لا تتوقف والحث على القتال وإعلاء راية الدولة السورية، بينما نعيش كسوريين في حالة رعب على من تبقى من عائلتنا هناك.

ورغم ارتداء خالد ملابس تبدو ثقيلة مع برودة الجو، لكن كل ما يحاول أن يقوم به هو الحصول على مدفأة من أجل أبنائه الصغار، مشيرا إلى أنهم يشعرون بالبرد القارس وأصبحوا يعانون من أمراض مختلفة نتيجة انخفاض درجات الحرارة وعدم وجود أغطية كافية لديهم.

ينتقد الأب النظام الطبي بالمخيم بسبب عدم صرف الأدوية السليمة لأبنائه، موضحا أنه توجه للمستشفى السعودي والمغربي وفي كل مرة حصل على أدوية ليس لها علاقة بما يعانيه أبناؤه، الأمر الذي يضطره لعدم منحهم أي أدوية خوفا على سلامتهم.

لكن برنداد دينين مسؤول الصحة العامة بالمفوضية العامة لشؤون اللاجئين والمسؤول عن المستشفيات المقامة بالمخيم يقول إن الخدمات التي تقدم للاجئين ممتازة مقارنة بالضغط اليومي على العيادات، مشيرا إلى أن هناك أعدادا كبيرة من المرضى وأصحاب الحالات العادية يتم علاجها بشكل يومي بمختلف المستشفيات الأربعة الموجودة داخل المخيم.

وأضاف أن المستشفى السعودي على سبيل المثال يتردد عليه يوميا من 900 إلى ألف حالة في المتوسط، وأن الأطباء يقومون بصرف الأدوية اللازمة للعلاج مجانا، لكن ربما لا تعرف الأسر نوعيات الأدوية التي يحصلون عليها، وتكون جديدة بالنسبة لهم، فيعتبرون أن الأدوية ليست هي العلاج المناسب لأبنائهم.

مقاتلون متقاعدون  

نعيم، هو أحد أفراد شباب الجيش السوري الحر وأحد وجوه المأساة السورية، حيث ترك الجيش مضطرا ليرافق والدته المريضة والتي تحتاج لعلاج مزمن لم يعد متوافرا في المستشفيات السورية، مما اضطره إلى الفرار برفقتها إلى الحدود الأردنية قبل أكثر من 8 شهور، حيث تتلقى العلاج بانتظام حتى الآن في المستشفيات الأردنية.

يتحدث المقاتل السابق بالجيش الحر قائلاً: "أنا أحد أبناء مدينة درعا، وكنت أعيش في الريف وأعمل مدربا للكاراتيه في ناد خاص بي قبل أن يتوقف النادي عن العمل بسبب الحرب، وانضممت للجيش السوري الحر، حيث عملت معه 14 شهرا نفذنا خلالها عشرات العمليات الناجحة ضده".

يجري نعيم اتصالات يومية بزملائه في الجيش الحر للاطمئنان عنهم ومعرفة آخر أخبارهم، بينما لا يرى أملا في إنهاء الصراع قريبا، خاصة أن الوضع كما هو منذ أن غادر بلدته، مشيرا إلى أن عمليات الكر والفر لم تتوقف بينهم في ظل تزويد الجيش النظامي بأسلحة ثقيلة مقابل أسلحة خفيفة للمعارضة لا تمكنها من حسم الموقعة كونها "مدروسة سياسيا"، بحسب تعبيره.

يقول الشاب الثلاثيني إن الجيش السوري النظامي عندما يريد السيطرة على قرية صغيرة يسكنها ألف شخص يقوم بمحاصرتها بأكثر من 10 آلاف جندي على الأقل، لافتا إلى أن قوات الجيش تفوق أعداد المواطنين في غالبية الأماكن التي يحاولون فرض السيطرة عليها.

نعيم كان ضابط صف على إحدى الدبابات بعد تخرجه في كلية الحقوق، لكنه يرى لحسن حظه أنه أنهى خدمته بالجيش قبل الثورة، وإلا كان سيكون من المنشقين عن النظام، فيما يدين بالفضل في التدريب على السلاح لهذه الفترة، قائلاً: "من يتعلم قيادة الدبابة لابد أن يكون مجيدا للتعامل مع السلاح بمختلف أنواعه".

يرصد نعيم مراحل تطور الصراع السياسي في سورية من تظاهرات شعبية في الأيام الأولى من مارس 2011 لعنف قوات الشرطة والجيش السورية يليها تفاقم العنف تجاه المدنيين والذي وصل بعد عدة أشهر فقط للاغتيال في الشوارع الرئيسية أمام أعين المارة دون تحقيق أو إحالة للقضاء والتهمة فقط معارضة النظام، مشيرا إلى أن هذه الممارسات دفعت الشباب المعترضين على أن يقوموا بتشكيل جبهات معارضة تبلورت لاحقا في الجيش السوري الحر.

يتذكر أول عملية قام بتنفيذها في قريته "تسيل"، حيث ساعدهم بعض الجنود النظاميين الشرفاء - بحسب وصفه - على اقتحام نقطتهم العسكرية مما جعلهم ينجحون في أسر 9 من بينهم ضابطان، مشيرا إلى أنه بالرغم من وقوع التسعة المؤيدين للنظام أسرى، إلا أنهم منحوهم خيارين لا ثالث لهما الأول أن ينشقوا ويفروا إلى الأردن أو أن يعودوا إلى النظام، موضحا أن 5 فضلوا العودة للنظام، بينما فضل الباقون الانشقاق والهرب إلى الأردن.

أما العملية الأصعب التي شارك بها كانت في نفس القرية أيضاً، حيث قام الجيش النظامي بمحاصرة القرية بأكثر من 10 دبابات و3 آلاف عسكري، بينما لم يكن بها سوى 42 مقاتلا فقط يمتلكون أسلحة خفيفة، مشيرا إلى أنهم حاولوا التصدي للقوات على مدار 7 ساعات متواصلة من الضرب قبل أن يضطروا إلى الانسحاب.

يقول الضابط السابق بالجيش السوري الحر إن عقيدتهم لا تقوم على القتل، وهو ما يظهر في عدد الأسرى الذين يقومون بأسرهم من مواقع عملهم، مشيرا إلى أن غالبية العمليات التي شارك بها كانت تعتمد على مساعدة بعض الضباط والجنود الموجودين بالداخل على أن تتم محاصرة الكتيبة أو الفرقة المخطط للاستيلاء على أسلحتها وتحذيرهم 3 مرات صوتيا عبر مكبرات الصوت وفي حالة عدم استجابة البعض يتم إطلاق النيران عليهم بحيث تنتهي العملية في زمن قصير للغاية خوفا من وصول إمدادات لها.

طريقة التخطيط للأهداف، كما يقول نعيم، كانت لها عدة طرق منها مساعدة الجنود والضباط الموجودين بالداخل أو من خلال المراقبة، مشيرا إلى أنهم كانوا يعتمدون على أعدادهم بشكل كبير بحيث يكون الحصار هو الخيار الأفضل بالنسبة لهم في التعامل مع غالبية الأهداف العسكرية النظامية.

وأضاف أن الأهداف كانت تتنوع ما بين استهداف سيارات للشبيحة والكمائن والكتائب الضعيفة، موضحا أنهم في أحيان كثيرة كانوا يلجأون لإلغاء العملية بعد البدء في تنفيذها وانتشار الأفراد بسبب وجود تعزيزات أمنية من الجيش النظامي أو وجود أمور مفاجئة تجعل قدرتهم في السيطرة على النقطة العسكرية أمرا صعبا.

معاناة الضابط السابق في الجيش السوري الحر لم تتوقف بعد نزوحه إلى الزعتري مع عائلته، فبخلاف والدته المريضة التي تنتقل خارج المخيم تزوج نعيم من فتاة سورية قبل 6 أشهر، ورغم انتظاره لمولوده الأول قريبا، إلا أن الزواج لم يتم توثيقه حتى الآن بسبب عدم امتلاكه للمال اللازم لتوثيق الزواج ووجود مكتب السجل المدني خارج المخيم، مما جعله لا يفكر في توثيق الزواج رسميا.

يؤكد نعيم على أن شرط الزواج هو الإشهار وهو ما يتوفر في الزيجة، حيث تقيم معه في كرفان واحد ومسجلة لدى مكتب مفوضية اللاجئين، بينما يعلم أهله وأهلها أنهما متزوجان وينتظران طفلهما الأول.

هاربون من خدمة النظام

ثلاثة شباب في مرحلة الدراسة الثانوية جمعتهما المدرسة والهجرة من بلدتهم الصغيرة في ريف حمص، فالشباب الثلاثة خالد، وبلال، وعبد الكريم يعيشون في خيام تسلموها بعد فرارهم من سورية قبل أكثر من 6 شهور، بينما لم يتوجهوا إلى المدارس لاستكمال دراستهم.

خوف الشباب الثلاثة من مطاردة النظام لهم دفعهم لرفض التصوير، بينما يعيش كل منهم برفقة أسرته التي تركت منزلها بسبب الحرب وفرت إلى الزعتري، ورغم عدم رضائهم عن الإقامة في المخيم بسبب سوئها على حد وصفهم وانتظارهم طويلا من أجل استلام الكرفانات الخاصة بهم واستمرار إقامتهم في الخيام رغم حلول فصل الشتاء.

توقف الشباب عن التعليم منذ قدومهم للمخيم، فلم يعد يذهب أحد منهم للمدرسة، بينما يبحثون عن عمل دون أن يقوموا بإخبار السلطات، حيث لا يسمح لهم قانونا بالعمل فيما يخرجون من المخيم صباحا ويعودون إليها ليلا من الطرق الوعرة للمخيم، فيما يقوم كل منهم بالعمل مقابل 5 دنانير في أحد المحلات بمدينة المفرق القريبة من المخيم، ويقومون في المساء بشراء بعض الاحتياجات التي يكونون بحاجة لها.

يقول بلال: "تحملنا ظروفا صعبة حتى نبقى في وطننا، لكن عائلتنا قررت أن تترك سورية بسبب استدعاء شقيقي الأكبر للخدمة في الجيش السوري، رغم أن أيا منا لم يدخل في القتال الدائر بين الجيش والمعارضة، لكن أبي شعر بالخطر على شقيقي وخاف أن يأتيني الدور بعد شهور، فقرر الرحيل بنا إلى الأردن".

يواصل حديثه عن عائلته قائلاً: "أسرتنا مكونة من خمسة أفراد دفعنا كل شخص 70 دولارا للمهربين حتى قاموا بإيصالنا للحدود مع الأردن، وهناك التقينا مع مجموعة من ضباط حرس الحدود الذين نقلونا إلى نقطة استقبال ومنها إلى الزعتري، حيث أصبحنا نقضي حياتنا في ملل".

لا يجد بلال وأصدقاؤه أي شيء يفعلونه داخل المخيم سوى الخروج للعب أمامه أو التعرف على أصدقاء جدد يعيشون بالقرب منه، فيما لم يعد يذهب للمدرسة مع أصدقائه منذ قدومهم للمخيم وتوقفت أحلامه عن الدراسة في الجامعة خلال السنوات المقبلة بعدما فقد الأمل في الخروج من المخيم والعودة إلى سورية.