يبدي المواكبون لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة استغرابهم للحجج والذرائع التي يلجأ إليها تكتل التغيير والإصلاح برئاسة النائب ميشال عون خصوصا و"قوى 8 آذار" في شكل عام لرفض الصيغ الحكومية التي يعمل عليها رئيس الحكومة المكلف تمام سلام ورئيس الجمهورية ميشال سليمان، لاسيما لناحية توصيف ما لا يوافق عليه التيار الوطني الحر وبعض "قوى 8 آذار" بأن غير ميثاقي وغير شرعي وغير دستوري.

Ad

ويتساءل القريبون من سلام أين كانت غيرة هؤلاء على الميثاقية والشرعية والدستور على مدى السنوات الثلاثين الماضية التي تولوا فيها المسؤوليات؟ ويتوقفون في هذا المجال عند محطات أساسية أبرزها:

1- عندما تولى العماد عون رئاسة الحكومة الانتقالية في سبتمبر 1988 استقال نصف وزراء الحكومة لا ثلثها، ومع ذلك أصر عون على دستورية حكومته.

2- ويومئذ لم يبق في حكومة عون أي وزير مسلم من الوزراء الثلاثة، وسقطت فيها المناصفة، ومع ذلك أصر عون على ميثاقية حكومته معتبرا أن الحكومة عندما تشكلت كانت ميثاقية لأنها احترمت المناصفة، وأن انسحاب المسلمين منها يأتي نتيجة قرار اتخذوه أو أجبروا على اتخاذه لا نتيجة عيب ميثاقي بنيوي في مراسيم تشكيلها.

3- ويومئذ لم يشارك أي حزب سياسي أو أي مدني في الحكومة، ومع ذلك فقد اعتبرها عون ممثلة للبنانيين خلافا لما يدعيه اليوم من أن حكومة حيادية من غير الحزبيين لا يمكن أن تمثل اللبنانيين.

4- ويومئذ، وعلى الرغم من استقالة نصف حكومته، وعلى الرغم من أن الصلاحيات الدستورية لتلك الحكومة كانت محصورة بالتحضير لانتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي الحد الأدنى الأضيق لتصريف الأعمال الأخرى، فقد صرف الوزراء المسيحيون في حكومة عون وحدهم أعمال كل وزارات الدولة بالأصالة أو بالوكالة عن المتغيبين والمستقيلين. واتخذ العماد عون وحكومته قرارات مصيرية منها إعلان حربين وحل المجلس النيابي لمنعه من انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

أما بالنسبة الى "قوى 8 آذار"، فيتساءل القريبون من الرئيس تمام سلام:

1- أين كانت الميثاقية عندما تم إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري والمجيء بالرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة خلافا لرأي أكثر من ثلاثة أرباع الطائفة السنية؟

2- أين كان الحرص على الحكومة الجامعة يوم تم إبعاد تيار المستقبل والكتائب والقوات اللبنانية ومستقلي 14 آذار عن الحكومة المستقيلة الحالية التي شكلها حزب الله وحلفاؤه؟

وينطلق القريبون من الرئيس تمام سلام في ضوء هذا العرض ليؤكدوا أن المشكلة لا تكمن في ميثاقية ما يطرحه سلام من تركيبات حكومية، بل في لاميثاقية بعض الفرقاء السياسيين والحزبيين الذين يعتبرون أنفسهم محور الحياة السياسية في لبنان من دون أن يقيموا لغيرهم أي اعتبار، ويربطون الميثاقية بمقاييس شروطهم للمشاركة في الحكومة. ويتساءل القريبون من سلام: ماذا إذا تمسك تيار المستقبل بوزارة يريدها حزب الله والقوات اللبنانية بوزارة تريدها حركة أمل والكتائب بوزارة يصر عليها الحزب الاشتراكي الخ... فهل إذا لم يعط أي فريق الوزراة التي يطالب بها تصبح الحكومة كلها غير ميثاقية وغير دستورية؟

ويختم العاملون على تشكيل الحكومة الجديدة بتأكيد أن جوهر المشكلة لا يكمن في طريقة التعاطي الدستوري لكل من الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية مع آلية التشكيل ومطالب الفرقاء السياسيين والحزبيين، بل في نظرة بعض من في قوى 8 آذار الى الحكومة كأداة من أدوات فرض شروطهم على الآخرين والتحكم بمفاصل القرار السياسي والاقتصادي والأمني للدولة اللبنانية، موازية للأمر الواقع الذي يفرضونه على الأرض.