الحديث عن صراع الخير والشر يبدو مستهلكاً جداً؛ لسبب بسيط أنه لا يوجد خير مطلق وشر مطلق، بيد أن صراع الإنسان في الحياة إما وراء سلطة أو رغبة ملحة في البقاء لا ينتهي، وتظل تلك الرغبات المتعددة، التي قد تمتد إلى رغبات مادية ورغبة في الاقتناء وغيرها من رغبات، موجودة بشدة لدى فئة من البشر.

Ad

وقد يتصرف الإنسان تجاه غيره بطريقة حيوانية أحياناً، ويتم تصنيف البشر على أساسها بين ظالم ومظلوم، أو مكسور ومتحكم، أو قوي وضعيف، وهناك فئة أخرى تابعة للقوي أو للسلطة، عقولهم مغيبة ولا يمتلكون سوى السمع والطاعة لمن هو فوقهم.

الحياة هي غابة منظمة جداً، وهي صورة بنظام متطور عن حياة الحيوان، الكبير فعلاً يأكل الصغير، والقوي يمارس سلطته ويجد تطبيلاً من هذا الضعيف، وهناك من يتفرج على هذا الوضع ولا يملك سوى التصفيق أو الصمت المطبق.

شاهدت منذ فترة فيلم "سنو بيرسر"، قصته تحكي عن نهاية العالم بسبب الثلج والتجمد، والناجون الوحيدون هم من كانوا في قطار كبير، ورغم أنهم الناجون الوحيدون فإن السلطة مطبقة في هذا العالم المصغر، يتكون القطار من طبقات غنية تمتلك كل سبل الرفاهية، وتتناول ألذ الأطعمة وتحظى بمسبح دافئ وحياة مرفهة جداً، وفي آخر القطار أولئك الذين يعيشون على هامش الحياة بثياب رثة، ويمارس عليهم القوي سلطته بالتحكم لأنه يعرف أنهم فقراء، وهذه الصفة تعطي من هو أقوى منك الحق في معاملتك بقسوة وظلم.

وتحدث ثورة بعد سنوات الاضطهاد من الفقير المسكين على الغني وصاحب السلطة، وفي النهاية يموت الجميع، ويبقى طفل وامرأة هما الناجيان الوحيدان من هذه الملحمة.

ليبدأ عهد جديد، عهد يحلم فيه الجميع بالسواسية والتحرر من الظلم وممارسة العدالة، ليبدأ يوم جديد بحرية مطلقة تنذر بانتهاء عصر العبودية.

لكن في أرض الواقع تبقى تلك الأحلام الوردية حكراً على الأفلام والقصص الخيالية، حين يتنفس الإنسان الحرية بعد كبت، ويرغب في ممارسة السلطة على غيره، وتتبدل تلك الأفكار الرائعة لنسخة من دكتاتور سابق.

مازال الإنسان رغم كل هذه الحداثة والتطور وما مر به من حروب وأزمات، هو العدو الأول للإنسان، وهو قنبلة موقوتة قابلة لتفجير من حوله من أجل نفسه.

ندخل العام الرابع للأزمة السورية، ومازالت المذابح تمارس في بورما، ناهيك عن الجماعات الإرهابية التي تتاجر بالبشر وما اقترفته "بوكو حرام" من فعل شنيع بخطف فتيات والمتاجرة بهن باسم الدين، واللائحة تطول من ممارسات وحشية من الإنسان لأخيه الإنسان!

قفلة:

"يمكن للشخص أن يسبب الأذى لآخرين ليس فقط عن طريق الفعل، بل أيضاً عن طريق الامتناع عن الفعل؛ وهو في كلتا الحالتين مسؤول أمامهم عن الضرر"... جون ستيوارت ميل.