ينشغل عدد متزايد من الشباب الكويتيين بإنتاج ونشر نص إبداعي قصصي أو روائي، وهذا أمر يبعث على التفاؤل والسعادة بتخلق أجيال من الكتّاب الكويتيين، وقد يبرز منهم، في القادم من الأيام، مبدعون يرتفعون باسم الكويت عالياً في الساحة العربية وربما العالمية، بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة. لكن، ومن خلال اهتمامي ومتابعتي وتشجيعي للكتابات الشبابية، وقراءاتي لنصوص كثيرة، ومراجعة نصوص أخرى في طور تخلقها، ترسخت لدي قناعة بغياب المكان في القصة والرواية، عن معظم كتابات النصوص الكويتية الشابية الجديدة. فعدد كبير من الكتّاب الشباب، فتيات وشبان، يكتبون نصاً لا ينتمي إلى المكان الكويتي، وهو بذا يتخلى عن خصوصيته، ويفقد أحد أهم عناصر أصالته.

Ad

المكان عنصر أساسي في الكتابة الإبداعية القصصية والروائية. وأياً كانت درجة ارتباطه في الواقع، فهو مكان مُتَخَيَّل، تلعب لغة الكاتب دوراً أساسياً في صياغته وخلقه، ليشكّل مدخلاً أساسياً في علاقة القارئ بالنص وتفاعله مع أحداثه، وفي قدرته على تصوّر البيئة التي تدور بها أحداث القصة أو الرواية، ويكون حاضراً بوصفه مكاناً ماثلاً حقيقياً يراه القارئ عبر الكلمات ويعيش أجواءه.

القدرة على تخيّل المكان، تنعكس على كامل بيئة القصة، فالمكان يصنع ما حوله، بما في ذلك فكر وقناعات ورؤى البشر، وبالتالي فإن دلالة المكان في العمل القصصي والروائي، لا تقف عند حدوده الطبوغرافية، لكنها تتجاوز ذلك، إلى تقريب صورة البيئات المختلفة التي يأتي منها أبطال العمل، ويتحركون في عوالمها. فكتابة المكان في العمل الإبداعي، هي بمنزلة تأثيث أجواء القصة والرواية، وإلا ظلت بيئة باهتة مربوطة بخيوط واهية إلى الواقع الإنساني المعاش.

إن تفكير وتخيّل الكاتب للمكان، يقوده إلى استحضار جميع عناصر البيئة المحيطة به، وهذا يساعده على صياغة عوالم نصه القصصي والروائي، بما يمدّ جسوراً من الوصل بينه وبين القارئ، ويقدم له معرفة مهمة بالبيئة التي يدور فيها الحدث، ويكون بمنزلة وثيقة فنية تاريخية تشهد على حياة البشر والمكان.

إن معيشة الإنسان العصرية، وانتمائه مرغماً إلى اللحظة العالمية، وتغلغل العولمة وثورة المعلومات والاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي في حياتنا بدرجة وأخرى، جعلت من تجارب البشر الحياتية أمراً متشابها على اختلاف المجتمعات التي تنتمي إليها، وبما يجعل المكان عامل اساسياً في الكتابة الإبداعية، فربما هو وحده بات قادراً على نشر عبير البيئات المحلية التي ينطلق منها، وبثّ خصوصيتها بحيواتها المخبّأة، لتشكل لوحات ملوّنة يتأملها القراء حول العالم.

إذا كان الكاتب الشاب الكويتي، مطالب بأن يقف ملياً أمام الشروط الفنية الخاصة بكل جنس أدبي، ليأتي إلى عالم الكتابة وهو على دراية كبيرة بشروطها وأسرارها، فإنه مطالب أيضاً بأن يتملى في بيئته المكانية، ويستحضرها بخصوصيتها في أعماله، ويسخرها لتكون ناطقة بما يريد لها أن تنطق، وهذا يعطي لكتاباته مذاقاً خاصاً ويربطها بواقعها، ويجعل القارئ يُقدم عليها، ليس فقط لمتعة القراءة، ولكن لمزيد من المعرفة بالبيئة والبشر، فالكتابة في أحد تجلياتها، هي شهادة موثقة وقراءة فنية مبدعة في الحدث الدائر فكرياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.

أقرأ تجارب شبابية غريبة ومغربة عن البيئة والواقع الذي نعيش، وطالما جاءني التساؤل، بأن المجتمع الكويتي، وكأي مجتمع إنساني، ينطوي على الكثير الخصوصية والمشاكل والمعاناة والخير، فلماذا يبتعد الكاتب الشاب عنها؟ ولماذا يغادرها دون النظر إلى جوهرها؟ أليست الكتابة في محصلتها النهائية هي عمل نبيل، يسلط الضوء على البؤر المظلمة، على أمل أن ينصلح أمرها ؟ فالكتابة كشف لحقائق ظالمة وغير عادلة ينادي الكاتب بفضحها وإدانتها بغية تخليص المجتمع منها.