أيا يكن السبب الذي جعل {المجهول – المعلوم} يحرق مكتبة الأب ابراهيم سروج في طرابلس في لبنان، فهو جريمة كبرى تدل على مدى التخلف السائد في عقول بعضهم، جريمة تظهر أن بعض العقول مغسولة وفارغة من أي محتوى، ضربها التصحر والقوقعة والتزمت والانكماش، بل سيطرت عليها الأفكار الفاشية المستمدة من ألف جهة وجهة.

Ad

واغتيال مكتبة هو جزء من {مؤامرة} ومسلسل يفتك بلبنان، بدأ في السياسات ولم ينته بالحرب بالواسطة أو الاغتيالات السياسية، العمليات الانتحارية، التشبيح، استباحة المرافق العامة، مقص الرقابة، الحديث عن تغيير وجه لبنان، محاولة مصادرة ما تبقى من الثقافة القديمة التي كانت أساساً لتكوين لبنان، البلبلة حول فيروز، تغليب منطق القوة والعنف والسلاح، اندثار فكرة التسامح والتحاور وتمجيد القتلة ووصفهم بالقديسين...

هل المشكلة مع صاحب المكتبة فننتقم من الكتب؟ تلك هي المعضلة السائدة في لبنان، إذ لم يعد أحد يحتمل الآخر، يختلف فريق مع الآخر سياسياً فتبدأ التصفيات الجسدية، ويختلف شخص مع صاحب المكتبة فكرياً فتحرق المكتبة.

 شخصياً، لا أستغرب أي شيء يحصل في لبنان الذي كان في الحرب الأهلية وما زال ساحة لأشكال البربرية كافة، من الاغتيالات الثقافية والسياسية والأمنية إلى الحروب الصغيرة والكبيرة، إلى تصدير الثورات والأفكار التكفيرية والفئوية.

 لنتذكر أنه قبل أيام رحل المخرج اللبناني كريستيان غازي وكان عاش طوال حياته حرقة لأن بعض الميلشيات اللبنانية حرق أفلامه في بيروت لأسباب واهية وفئوية، ولنتذكر أصابع سليم اللوزي وصولاً إلى سمير قصير.

شعرت بالذهول من حرق المكتبة، لكن حين أتأمل في الجوهر أجد المكتبة نقطة في بحر ما يحصل، فالمعضلة الكبرى أننا في لبنان نعيش في مرحلة تسمى {أيام القتل العادي} بل ما هو اسوأ من ذلك الشماتة بالموت. واغتيال المكتبة جريمة كبرى، لكنها لا تنفصل عن كل ما يحصل. لم يتم اغتيال المكتبة فحسب، بل اغتيلت مدينة طرابلس كلها من خلال الحرب بالواسطة التي تجري على جولات بين باب التبانة وجبل محسن.

لا شك في أن الواقع اللبناني بات محكوماً بعقول تساهم في تدمير هذا البلد، العقل الحزبي الفئوي الخبيث الذي يحارب بالآخرين أو يحارب من خلال الاغتيال،  وفريق آخر محكوم بالعقل الغيبي الذي لا يرى من الدنيا شيئاً، وكلا العقلين يلتقيان على نقطة واحدة هي الخراب والتدمير، والضحية تكون كل الذين يريدون العيش بسلام. بالطبع لا يمكن اختصار لبنان بهاتين الفئتين من المدمرين، فهناك الغالبية المتنورة التي تبحث عن الحل اللازم، لكن في هذه المرحلة يبدو الحل أشبه بخيط ابيض وسط صفحة من التشاؤم الأسود.

 واغتيال الكتب والمكتبات أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه فاشيات مستجدة، تلك الفاشيات التي لا تتحمل كلمة أو جملة أو رأي، وهي حاضرة بقوة على صفحات الفايسبوك والإنترنت، والقتل الرمزي والجسدي والواقعي والافتراضي، كلها أمور  حاضرة بقوة في كل مكان في لبنان، حاضرة في أفكار الجماعات وفي الثقافة الافتراضية وفي عمليات الاغتيال وتعليقات الفيسبوك، وهذا ليس جديداً، وإن اختلف الشكل، كانت الحرب الأهلية قائمة على شعائر قبلية، تتمنى كل قبيلة الموت للأخرى، والآن المشكلة نفسها وإن انتقلت من حرب مسيحية - إسلامية إلى حرب سنية - شيعية.