مرارة السُّكَّر

نشر في 14-11-2013
آخر تحديث 14-11-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت السُّكر حلو المذاق، لكن الأخلاقيات المرتبطة بإنتاجه بعيدة كل البعد عن إثارة الإعجاب. ويُظهِر تقرير صادر أخيراً عن منظمة "أوكسفام إنترناشيونال" بعنوان "حُمى البحث عن السكر"، في إطار حملة المؤسسة التي أطلقتها باسم "ما وراء العلامات التجارية"، أن استخدامنا للسكر يورطنا في عمليات الاستيلاء على الأراضي التي تنتهك حقوق بعض الناس في أشد مجتمعات العالم فقراً. وبوسع المستهلكين الأكثر استنارة والأفضل أخلاقية أن يغيروا هذه الحال.

الواقع أننا مبرمجون جينياً (وراثياً) على حب الأشياء الحلوة المذاق، وعندما يزداد الناس ثراء، فإنهم يستهلكون المزيد من السكر. وكانت الزيادة الناتجة عن ذلك في أسعار السكر سبباً في دفع المنتجين إلى البحث عن المزيد من الأراضي لزراعة قصب السكر.

وليس من المستغرب أن يخسر الفقراء عندما تتعارض مصالحهم مع مصالح الأثرياء والأقوياء. ويزودنا تقرير "أوكسفام" بالعديد من الأمثلة لمنتجين استحوذوا على الأراضي من دون رضا من يعيشون عليها. وإليكم أحد هذه الأمثلة.

في ولاية بيرنامبوكو في شمال شرق البرازيل، كانت مجموعة من أسر الصيادين تعيش منذ عام 1914 على الجزر في مصب نهر "سيرينهيم". وفي عام 1998، قدمت شركة "يوسينا ترابيكي" لتكرير السكر التماساً للدولة للاستحواذ على الأرض. ويقول سكان الجزر إن مصنع التكرير تابع التماسه بتدمير بيوتهم ومزارعهم الصغيرة- وهدد الذين لم يرحلوا بالمزيد من العنف.

وفي العام الماضي، كما تقول أسر الصيادين، أحرق الموظفون العاملون في مصنع التكرير المنازل التي أعيد بناؤها. ونقلت الشركة أسر الصيادين إلى بلدة قريبة، حيث بات بوسعهم الوصول إلى الكهرباء والمياه والصرف الصحي والتعليم، ولكن إذا أرادوا الاستمرار في الصيد فلابد أن يسافروا مسافة طويلة. ولايزال العديد منهم يحاولون العودة إلى الجزر.

وتستخدم شركات مثل "كوكاكولا"، و"بيبسي كولا" السكر من شريكة "يوسينا ترابيكي" في منتجاتها. ولكن هل يجعلها هذا مسؤولة عن الظلم الذي ألحق بالناس الذين تستغل الشركة أراضيهم لإنتاج هذا السكر؟ في تسعينيات القرن العشرين، حاولت شركة "نايكي" غسل يديها من المسؤولية عن استخدام عمالة الأطفال وغير ذلك من ممارسات العمل المعدومة الضمير في المصانع التي كانت تنتج أحذية رياضية لها. ولم تنل هذه المحاولة إعجاب عملائها، وفي النهاية قررت الشركة أن تفعل الصواب، فقامت بالتفتيش على المصانع، وعالجت المشكلات هناك، وانتهجت الشفافية بشأن مورديها. وعلى نحو مماثل، كانت ردة فعل "ماكدونالدز" الأولية إزاء الانتقادات الموجهة إلى ممارسات مورديها في معاملة الحيوانات مقاضاة النشطاء الذين تحدثوا في تلك المزاعم. وتوقعت الشركة أن منتقديها سيستسلمون. ولكن عندما دافع اثنان منهم عن نفسيهما في المحكمة فإن النتيجة كانت أطول محاكمة تشهير في تاريخ بريطانيا القانوني- وكارثة علاقات عامة بالنسبة للشركة العملاقة.

وبعد أن قرر القاضي أن بعض مزاعم الناشطين لم تكن سباً علنياً، لأنها كانت صادقة، بدأت شركة "ماكدونالدز" تتقبل المسؤولية عن ممارسات مورديها. وأصبحت منذ ذلك الوقت واحدة من القوى المطلوبة بشدة لتحسين معاملة الحيوانات المستخدمة لإنتاج الأغذية في الولايات المتحدة.

وفي وقت أقرب إلى الحاضر، كان انهيار مصنع "رنا بلازا" للملابس في بنغلادش في وقت سابق من هذا العام، الذي راح ضحيته أكثر من ألف شخص، سبباً في طرح تساؤلات مماثلة حول صناعة الملابس. وتحملت شركة الأغذية البريطانية المتحدة، التي هي من كبار منتجي السكر ومالكة سلسلة محلات ملابس "بريماك"، المسؤولية عن مورديها بالتوقيع مع 80 شركة ملابس أخرى على اتفاقية ملزمة قانوناً لسلامة الأبنية بدعم من النقابات العمالية وحكومة بنغلادش.

وما ينطبق على صناعة الملابس فإنه ينطبق بالضرورة على صناعة المواد الغذائية أيضاً، وليس بالنسبة للسكر فحسب، بل جميع المنتجات الغذائية. وتطالب "أوكسفام" أكبر عشر شركات منتجة للمواد الغذائية بإثبات زعامتها من خلال الاعتراف بمسؤوليتها عن انتهاكات حقوق الأراضي التي يتورط فيها موردوها.

وبشكل خاص، تريد "أوكسفام" من هذه الشركات العالمية أن تتجنب الشراء من الموردين الذين استحوذوا على الأراضي من منتجي المواد الغذائية على نطاق صغير من دون الحصول على الموافقة الحرة المسبقة المبنية على الاطلاع الكامل من قِبَل هؤلاء المنتجين. وحيثما تم الاستحواذ على الأراضي بالفعل من دون مثل هذه الموافقة، وكان الاستحواذ موضع نزاع، فإن "أوكسفام" تريد من الشركات أن تصر على إجراءات عادلة لتسوية هذه النزاعات.

تستخدم حملة "ما وراء العلامات التجارية" ورقة نتائج، ترتب بمقتضاها الشركات العشر الكبرى استناداً إلى مجموعة من القضايا، بما في ذلك تأثيرها على العمال والمياه والأراضي والنساء وتغير المناخ. وفي ما يتعلق بقضية الأراضي، جاءت درجات شركة "بيبسي كولا" وشركة الأغذية البريطانية المتحدة إما "ضعيف" وإما "ضعيف جداً". أما شركة "نستله" فكان أداؤها أفضل، لأن مبادئها التوجيهية لمورديها- والتي تستخدمها لتصنيع السكر والصويا وزيت النخيل وغير ذلك من السلع في الخارج- تلزمهم بالحصول على الموافقة الحرة المسبقة عن اطلاع تام من قِبَل المجتمعات الأصلية والمحلية قبل الاستحواذ على الأراضي.

وكانت شركة "نستله" الأولى في الترتيب بين أكبر عشر شركات في دعم هذا المبدأ بشكل كامل. ثم في السابع من نوفمبر، استجابت شركة "كوكاكولا" لحملة "أوكسفام" بإعلان اعتزامها عدم التسامح على الإطلاق مع الاستيلاء على الأراضي من قِبَل مورديها ومعبئي الزجاجات. والتزمت شركة "كوكاكولا" بالكشف عن الشركات التي تزودها بقصب السكر والصويا وزيت النخيل، بحيث يصبح من الممكن تقييم أدائها الاجتماعي والبيئي وفي مجال حقوق الإنسان؛ وستنخرط أيضاً في مناقشة مع "يوسينا ترابيكي" في ما يتعلق بالنزاع مع أسر الصيادين عند مصب نهر سيرينهيم.

الحق أن حملة "أوكسفام" تساعد في رفع معايير صناعة الغذاء العالمية. وإذا كانت شركات مثل "بيبسي كولا" أو شركة الأغذية البريطانية المتحدة تريدنا أن ننظر إليها باعتبارها منتجة تحترم المبادئ الأخلاقية، فيتعين عليها أن تحذو حذو "نستله"، و"كوكاكولا" الآن، وأن تقبل المسؤولية عن سلوك مورديها في التعامل مع بعض من البشر الأشد فقراً والأكثر ضعفاً وقلة حيلة على الإطلاق.

* بيتر سنغر | Peter Singer ، أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة برينستون، وأستاذ فخري بجامعة ملبورن. ومن مؤلفاته كتاب "عالم واحد"، وكتاب "الأخلاق في ما نتناوله من طعام" (بالمشاركة مع جيم ماسون)، وكتاب "الحياة التي يمكنك إنقاذها".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top