أمّا بعد: أزمة قيادة
عند الحديث عن القيادة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية تقفز إلى الذهن سريعاً صورة نمطية للقائد، هذه الصورة تتأرجح دائماً بين الزعامة الدينية- التي ليست موضوعنا اليوم- وصورة ذاك القائد المكفهر الوجه، الجميل المحيّا، الطويل القامة، القوي البنية، الجهوري الصوت، السريع الغضب، الحاد الطباع، صاحب القرارات السريعة والفاعلة والصائبة دوماً، صاحب الحجة الدامغة، وأخيراً المعشوق من أتباعه، والحقيقة هي أن هذه الصفات لا تكاد تجتمع في بشر على وجه الأرض إلاّ ما ندر جداً، ومن بين مجموع تعداد البشرية الذي يفوق سبعة مليارات اليوم نكون محظوظين جداً لو وجدنا سبعة أشخاص فقط تنطبق عليهم هذه الصفات.وتزاحم هذه الصورة النمطية في الذهن الإحساس العام بوجود أزمة قيادة في العالم العربي عموماً والكويت خصوصاً، فهل هذا صحيح؟ وهل هناك فعلاً أزمة قيادة... وأن ليس هناك قادة تقود العالم على مستويات مختلفة عسكرية كانت أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو رياضية؟!
المنطق يرفض هذا والواقع يكذبه، فكم لدينا من القادة الذين حققوا إنجازات باهرة وعلى كل الصعد وفي جميع المجالات ولا تنطبق عليهم الكثير من الصفات التي ذكرناها آنفاً، بل لو أن الواحد منّا حاول أن يتذكر شخصية قيادية عمل معها أو تحت إمرتها لوجد بالضرورة أن الكثير من هذه الصفات لا تنطبق عليها.ويجرّنا المنطق نفسه أن نفترض أن المفاهيم العامة حول القيادة والقائد مشوّهة لدينا، ويعتريها الكثير من الأوهام والأخطاء، وهذه الزاوية- عزيزي القارئ- هي مساهمة بسيطة تهدف إلى نشر المفاهيم الصحيحة حول مفهومي القائد والقيادة وتبنيها وانعكاساتهما على الساحة، لما أرى في ذلك من فائدة مجتمعية كبيرة، فمن الأهمية بمكان أن ندرك ونعي مفاهيم القيادة، ونتعلمها ونعلمها، ومن الضروري أن تكون لدينا بيئة حاضنة للقيادات تساعد على تنمية المهارات القيادية في الشباب وتصقل المهارات القيادية في الكبار، ولا أعني بهذا أن يتحول المجتمع إلى زعامات فردية، بل على العكس من ذلك، فالقيادة وتطبيقاتها تنميان العمل الجماعي وتعطيان أهمية كبرى للمتبوع بقدر التابع؛ إذ لا يمكن أن يكون المرء قائداً إن لم يكن تابعاً في يوم من الأيام.انطلاقاً من الدراسة والخبرة الميدانية اللتين اكتسبتهما في ربع القرن الماضي أقول إننا فعلاً في "أزمة قيادة" ولكنها أزمة تدور أولاً حول تصحيح المفاهيم حول القيادة وشؤونها. * آخر العمود:يسرني التواصل معك أيضاً عزيزي القارئ على:الموقع الإلكتروني: www.qiada.netالإيميل: [email protected]تويتر: @qiadacons