تعيش الكويت هذه الأيام الجميلة فرحة ذكرى اليوم الوطني ويوم التحرير، وبهذه المناسبة العزيزة مرّ على بالي شريط من أحداث كثيرة عايشتها وعرفتها وتابعتها إبان تلك الفترة.

Ad

أذكر قبل سنوات قرأت للكاتب تركي الدخيل مقالاً يتذكر فيه الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، وكان عنوان المقال "لا حشا ما نسيناك"، وأنا هنا أنقل نفس العنوان وأقول لكل من غضب للكويت "لا حشا ما نسيناك"، ولكل من حزن على الكويت "لا حشا ما نسيناك"، ولكل من وقف مع الكويت وآزرها "لا حشا ما نسيناك".

العدوان الظالم على بلدنا وضع كل المواقف في شاشة عرض كبيرة واضحة الصورة لا ضبابية ولا تشويش، كان واضحا من هو معنا وأوضح منه من كان ضدنا، كان الوضع لا يسمح مطلقاً بالحيادية "يا معي يا ضدي" لا خيار ثالثا.

هل أتجرأ وأنسى الوقفة الشجاعة الجازمة الحازمة للشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية ومواقف العز للملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، وأيضاً الوقفة التاريخية الشجاعة الوفية لأهلنا في الخليج العربي من قيادات وشعوب؟

كنّا أيامها نتعلم دروس الوفاء منهم واقتدوا بالكرام حيث أمنوا الخائفين وأطعموا الجائعين، وقد جعل الله الأمن والإطعام من نعمه، فقال جل وعلا: "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" [سورة قريش:4]، وفضلونا على أنفسهم لدرجة أصبح الكويتي يجوز له مالا يجوز لغيره وبأمر الشعب قبل القيادة في هذه الشعوب الوفية السخية.

يقول المثل "الله لا يبين الغلا"... لكننا رأينا غلا الكويت وأهلها في نفوس أهل الخليج فقيرهم قبل غنيهم، بسطائهم قبل قيادييهم. مهما عملنا لأجل هؤلاء الأوفياء فلن نستطع رد جزء صغير من مشاعرهم قبل جميلهم.

الشيخ زايد كان أول من زار أخاه الشيخ جابر، رحمهما الله، في الكويت المحررة. والشيخ عيسى، رحمه الله، كان شاعراً قال قصيدة رائعة من أسرة حاكمة وأهلها في الكويت... وأقتطف منها هذا البيت المعبر الذي لا يحتاج تعقيباً أو تعليقاً، فهو أكبر من ذلك:

هم جدهم جدي وجدي لهم جد

وأصغر ضناهم قطعة من فؤادي

وأتذكر مؤتمر القمة الخليجي الذي عقد في الدوحة ديسمبر 1990 حينما قال الملك فهد طيب الله ثراه: "قررنا عودة الكويت بالسلم ما أمكن السلم وبالحرب حين لا يبقى سوى الحرب"... كلام واضح لا دبلوماسية فيه ولا يحتمل الأخذ والعطاء.

وعادت الكويت بالحرب رغماً عن المعتدي ومَن أيده.

عادت الكويت بفضل الله وقيادتها الحكيمة الشيخ جابر والشيخ سعد، رحمهما الله، ثم وقفة دول "مجلس التعاون" الوفية التي مهدت للتحالف الدولي لتحرير الكويت.

ولمن رحلوا إلى ذمة الله ممن كانوا معنا من أهل الخليج العربي ولمن لايزالون أحياء من الشعوب ومن الحكام الأوفياء، فهد زايد خليفة عيسى قابوس، نقول لهم بيَّض الله وجوهكم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.

وأهل الكويت بكل حب وعزة ووفاء ينطقونها بصوت واحد وشعور واحد: "لا حشا... لا حشا ما نسيناكم"، مكانكم في القلب والروح يا أهل الطيب والمعروف.

ثلاث وعشرون سنة مضت قليلة من عمر الزمان، لكنها مليئة بوفاء وحب أهل الخليج لأهلهم في كويتهم.

قبل أسبوع وصلتني أغنية وطنية من الإمارات ومؤلفها وملحنها ومن يغنيها إماراتيون، لم تكن في حب الإمارات، بل كانت في حب الكويت.

في العادة تُعد الأغاني الوطنية للدولة نفسها، لكن إخواننا الإماراتيين غنوا للكويت... وقبل ثلاث وعشرين سنة غنى وفاؤهم للكويت.

الله لا يقطع الوفاء والمعروف.