صرحت لجنة البوكر بأن اختيارها هذه المرة بني على قناعتها الراسخة بأن الأعمال التي وصلت إلى القائمة القصيرة هي تلك التي شكل السرد فيها حداثة مغايرة للسرد العربي التقليدي. كان ذلك مفرحا ومبشرا بأننا سنقرأ أعمالا أحدثت الثورة التي خلفتها رائعة فولكنر في السرد الأميركي واللغة التصويرية التي وسمت بها أعمال توني موريسون في العقود الأربعة الماضية، وهو ارتقاء طبيعي للرواية العربية التي تقترب من الفن الغربي. لكن ذلك لم يحدث، ولو تم منح الجائزة على هذا الأساس لكان الروائي خالد خليفة في "لا سكاكين مطابخ في هذه المدينة" هو الأولى بالجائزة، وهي الرواية التي سنلقي عليها الضوء في الأسبوع القادم. ولو كان الأمر كذلك لاستبعدت رواية الفيل الأزرق من القائمة الطويلة، ولنا أيضاً وقفة قادمة معها.

Ad

نعم قلت في الأسبوع الماضي إن رواية فرانكشتاين في بغداد تستحق الجائزة، ليس للتصريح الخطير الذي أطلقته اللجنة في ما يخص السرد، وإنما لقدرة الروائي على خلق مناخات تخييلية تستحق الإشادة. ففي العمل ابتكارات إبداعية جميلة تنم عن طاقة خلاقة في صنع المشهد الروائي والإمساك به منذ دخوله حتى إفلاته بذهنية حاضرة تتعامل معه كواقع صعب التحقق إلا أنه ليس مستحيلاً فنياً. وهذه قدرة فنية لا يمتلكها الكثير من الروائيين العرب. وذلك أيضاً ما قصدته في عنوان المقال بأن الروائي يتناول الصورة النمطية لشخصية فرانكشتاين لا الشخصية الروائية "فرانكنستاين" التي اعتمدتها الروائية ماري شيللي في عملها.

نعود إلى السرد الروائي، وهو للأسف العيب الوحيد الذي شاب هذا العمل الجميل، وكنت أتمنى على الروائي أن يعود إليه مرة أخرى وأخرى، ليراجع هذه الهنات التي شوهته، وهو بالتأكيد كان سيدرك خلل بعض العبارات والتراكيب اللغوية واحالتها الى العربية، خصوصا تلك التي تأتي ضمن السياق السردي وليس ضمن الحوار الذي شكلت العامية العميقة أغلب مفرداته.

هذه المفردات التي تناولها السياق السردي، وهي ليست ابتكاراً لغوياً نحرض عليه ونعتبره تطويراً في لغة السرد، فلفظة "قواطي" ليست أجمل من لفظة علب حتى تستبدل في السرد، ويمكن أن نتجاوز عنها في الحوار لكنها مزعجة في السرد. وجملة مثل "أكل لفة كباب وطلب نص نفر سفري ليأخذه معه إلى البيت" لا تعتبر سرداً إبداعياً رأت فيه لجنة البوكر ابتكاراً خارقاً ولغة جديدة للرواية العربية.

ربما يدرك الروائي أكثر من غيره أين يكون الخلل في عمله وهو يعمل ناقداً له بعد الانتهاء منه. فلا أعتقد أن المحلية الخالصة في السرد ابتكار، وعبارات مثل "لا مشكلة في الموضوع والله يهني سعيد بسعيدة" وجملة مبتكرة مثل "وكان محمود يضحك، لم تكن لديه مشكلة لا مامه ولا داده، كما يقولون"، واستبدال كلمة سيارة أجرى بدل أجرة هو أيضاً ابتكار لم نعرفه قبل أن تكتشفه لجنة البوكر. ورغم كثرة الأمثلة سأختم بمثال أخير ربما لم ينتبهوا اليه في اللجنة "ويفطرون كيمر عرب مع كاهي واستكانات شاي داكن"، ولا أعرف بمن استعانوا ليحللوا جماليات السرد في هذه العبارة. ربما ساعدهم زميل عراقي كما ساعدني في معرفة معنى "القصخون".

لو حاولت الدخول في الحوار، والذي لا أتفق مع من يرى أن لا ضير في استعمال المحلية الخالصة فيه لأن القارئ غير المحلي سيجد معضلة في مفردات لن يفهم معانيها، فسنكتشف أننا غير معنيين في الرواية، وأنها بحاجة الى ترجمة للعربية، هذا ونحن أقرب الى العراق من المغاربة والمصريين واللبنانيين.