السجن والإبداع (1): الشاعر سيد حجاب: إبداعي رفرف بالحرية خارج القضبان

نشر في 06-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 06-07-2014 | 00:02
No Image Caption
{أصبح الصبح... لا السجن ولا السجان باقي»، أشهر بيت شعر عرفه العالم العربي منذ أكثر من نصف قرن، كتبه شاعر السودان الكبير محمد الفيتوري، يستدعيه، دوماً، مبدعون جربوا ظلام الزنازين وقدموا تجارب إبداعية رغم القيود والقضبان.

«سيد حجاب} شاعر العامية المصري أو {صياد الحواديت} كما وصفته دراسات نقدية عدة، أحد صانعي الأحلام والمحرضين على التمسك بها في الزمن الصعب، كتب عن الناس وأحلامهم وأوجاعهم ما دفع به إلى المعتقل في منتصف الستينيات، ونال حريته واستكمل طريقه ليشارك في ثورة الربيع العربي، 25 يناير و30 يونيو، ويشارك في صياغة مقدمة دستور مصر الثورة 2014.
عن تجربة المعتقل وعلاقة السجن بالإبداع ورؤيته للمعوقات في طريق التحرر والحرية كان الحوار التالي معه.
الحديث عن الاعتقال والسجن ذو شجون فماذا تحمل في ذكرياتك عن هذه الفترة؟

 اعتُقلت في إحدى الليالي من أكتوبر 1966، ووجدت نفسي في صالة المباحث العامة مع الزميلين غالي شكري والأبنودي، التقيت بهما قبل الانتقال إلى مزرعة طرة، وهناك وجدت أن رفاقاً لنا سبقونا، وكان الاتهام كوميدياً بأننا ننتمي إلى تنظيم شيوعي صيني على علاقة بالقوميين العرب يحاول التسلل إلى الاتحاد الاشتراكي، ولم يستطيعوا إثبات هذا العبث طوال فترة الاعتقال التي قاربت الستة أشهر حتى تم الإفراج عنا، والغريب أننا لم نواجَه بالاتهام وعرفناه بعد الإفراج عنا من مراسلة {الأوبزرفر} في مصر التي عرفتها من السفارة البريطانية في القاهرة.

ما كانت مطالبكم في تلك الفترة؟

 كنا نرى أن ما يحدث في مصر لا يمتّ إلى الاشتراكية بصلة، وأن عبد الناصر بطل قومي لكنه يؤسس لرأسمالية الدولة وهو ما كنا نرفضه، وكان شعارنا المرفوع في ذلك الوقت الديمقراطية طريقاً إلى المستقبل، في وقت كان يحتكر فيه النظام الاجتهاد والتفكير في الشأن السياسي المصري، ويرى أنه يعرف مصلحة أبنائه أكثر منهم ويحرمهم من الاجتهاد والتفكير في الشأن الوطني .

رفضتم عباءة الناصرية وشققتم الصف اليساري، فماذا كنتم تريدون؟

كنا مجموعة من المثقفين اليساريين نعتقد أنه يتعيّن علينا إقامة حياة ديمقراطية سليمة للانتقال بمصر من نظام رأسمالية الدولة إلى الاشتراكية كما نحلم بها، ونؤمن بحق الطبقة العاملة والشعب المصري في بناء مؤسساته الديمقراطية التي تجتهد في الشأن العام لحسابه.

كيف كنتم تسوّقون أفكاركم؟

 كنا نشارك في الندوات وننادي بالديمقراطية ونسعى إلى تكوين مجموعات عمل ديمقراطية داخل المؤسسات الصحافية، وأذكر أنني والفنان اللباد، رحمه الله، كنا مسؤولين عن تأسيس مجموعة للعمل الديمقراطي داخل مؤسستي «روزاليوسف» و{صباح الخير»، ونتج من هذا الجهد رسوم كاركاتورية امتلأت بها صفحات «صباح الخير»، ومواقف احتجاجية ونقدية جسدتها رسوم الليثي واللباد وأحمد حجازي وغيرهم من رسامي الكاريكاتور في «صباح الخير» .

هل تعرضتم للتعذيب في المعتقل؟

شهادتي للتاريخ... لم نتعرض للتعذيب الوحشي القاتل كالصعق بالكهرباء أو ما شابه ما يؤدي حتما إلى الموت، ولكن قبل دخولنا المعتقل بفترة وجيزة سمعنا أن شهدي عطية قتل من التعذيب داخل السجن، وأذكر هنا الحرج الذي تعرض له عبدالناصر أثناء دخوله البرلمان اليوغسلافي حين أعلن رئيسه الوقوف دقيقة حداداً على روح الرفيق شهدي عطية الذي قتل في سجون الرفيق جمال عبدالناصر. دافع عبد الناصر بالقول إنه لم يعلم بذلك، وأمر بوقف التعذيب في السجون والمعتقلات، ربما أنقذنا هذا الأمر من ويلات التعذيب التي تعرض لها الذين سبقونا، وإن تعرضنا لأنواع خفيفة من الإيذاء الجسدي أو التعذيب المعنوي.

هل ألهمتك تجربة السجن كتابة القصائد؟

الحقيقة أنني لم أكتب شيئاً عن فترة اعتقالي كما فعل آخرون، لاعتقادي بأن اعتقالي ضريبة طبيعية لمن يرتضي طريق الدفاع عن قضايا الوطن ويعرف تبعاته، ثم كانت فترة المعتقل قصيرة نسبياً مقارنة برفاق لنا سجنوا فترات طويلة، لكنني حولتها إلى فرصة لمراجعة مفاهيمي وتصوراتي في شأن قضايا الوطن .

ما نتيجة هذه المراجعات التي شغلت بها في ليالي المعتقل؟

 خرجت وزملائي من المعتقل في أبريل 1967 بعد ستة أشهر وقبل شهرين من هزيمة يونيو، والحقيقة أنني وزملائي لم نهزم مع من هزموا لسبب بسيط أننا لم نكن نرى أن في مصر نظاماً اشتراكياً، وأن مقتل هذا النظام هو افتقادة إلى الديمقراطية، وأن الحل هو الديمقراطية، فكنا ننتقد الناصرية من داخلها، وما نمارسه هو نوع من النقد الذاتي، وأظن أن هذه الفترة بما انضجت من فكر بيننا، مكنتنا من امتصاص صدمة النكسة، وبعد أشهر من المعتقل كتبت قصيدة اشتهرت آنذاك، تطرح بديلا لمواجهة النكسة قلت فيها :

  الشعب الشعب الشعب الشعب

  الحزب الحزب الحرب الحرب

   والله ما هيداوي جرح النكسة

  المر الصعب

  غير حزب الشعب وحرب الشعب.

كيف أُفرج عنكم من دون توجيه اتهام أو صدور أحكام ضدكم؟

والد زوجتي السويسرية قس سويسري أبلغ صديقه الفيلسوف الفرنسي سارتر، وعندما حضر ومعه سيمون دي بوفوار إلى القاهرة، اهتم بأمرنا، فاستدعانا ودار بيننا حوار جاد ومهم، وكان رجل دولة حقيقياً وسياسياً محترماً وقال: أنتم مثقفون ومبدعون وطنيون والرئيس يقدركم لكنه انزعج لأنكم شكلتم تنظيماً معادياً.

وما كان ردّكم؟

 تساءل الأبنودي: كيف تقولون إنكم تطبقون الاشتراكية والفصيل الاشتراكي في المعتقل، أما أنا فقلت له: «نريد أن نبني القطاع العام من داخل القطاع الخاص، وإذا كان القطاع الخاص ينمو من داخل القطاع العام، أخشى أن يطالب بعد ذلك بنصيبه من السلطة.

وماذا عن رد فعله إزاء هذا الكلام؟

 ردّ علينا بأن الرئيس يوافق على ما نقول، وفي نهاية اللقاء وعد بالإفراج عنا خلال أيام وهو ما حدث بالفعل.

بعد كل هذه السنوات كيف ترى هذه التجربة؟

أظن أن إعادة النظر في الحياة والنضال السياسي شكلت كتاباتي بعدها، ولها الأثر الأكبر في إنضاج فكري ورؤيتي لقضايا الوطن، ما زادني إيمانا بأن الشعب هو القائد والمعلم والفاعل الأصلي في التاريخ، وأذكر أنني كتبت سنة 1973 بمناسبة الانتصار في الحرب الأغنية الشهيرة:

الباقي هو الشعب

والباني هو الشعب

ولا فيه قـــوة

ولا فيه صعب

يصدوا زحف

الشعب الشعب

back to top