البرامج في الفضائيات... «صورة متلفزة» للصحافة الصفراء؟
اتسعت، في الفترة الأخيرة، ظاهرة الإثارة في البرامج التلفزيونية المختلفة من الاشتباك بين المذيع والضيوف إلى استضافة نماذج سلبية في المجتمع وطردها على الهواء مباشرة خلال الحلقة، وأكثر من ذلك ينشر بعض مقدمي هذه البرامج مقاطع فيديو خاصة بها عبر {يوتيوب} بعناوين جذابة.
مع تراجع نسبة مشاهدة البرامج السياسية، حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، بدأت برامج المنوعات تعود بقوة وكثافة وتعتمد على الإثارة لجذب المشاهدين، ما يرسم علامة استفهام: هل أصبحت الإثارة في هذه البرامج موضة يحاول مقدمو البرامج، من خلالها، جذب الانتباه إلى برامجهم وتعريف الجمهور بهم واستقطاب مزيد من الإعلانات؟
إعلام الفرقعةيفسر الدكتور محمد شومان، أستاذ الإعلام في جامعة عين شمس، أن ما يمكن تسميته «إعلام الفرقعة» ظاهرة موجودة في العالم، تحقق، من خلال وسائل الإعلام، صدمة للمشاهد وتعرض كل ما هو مثير وغريب، مشيراً إلى أنه كلما تطور النظام الإعلامي وتطورت آليات الضبط الذاتي للإعلام وللعاملين فيه، تراجعت مساحة هذه البرامج خصوصاً أنها امتداد للصحافة الصفراء ولكن تلفزيونياً.يضيف: «أبرز أسباب انتشار هذا النوع من الإعلام، عدم وجود تشريعات جديدة تضبط العملية الإعلامية، وعدم تنفيذ ما جاء في الدستور، حتى الآن، بشأن إنشاء مجلس أعلى للإعلام، هيئة وطنية للإذاعة والتلفزيون وهيئة وطنية للصحافة وعدم وضع مواثيق شرف، فضلا عن عدم وجود نقابة للإعلاميين»، مؤكداً أنه في حالة إنشاء نقابة للإعلاميين أو هيئة حكومية مستقلة تحقق في شكاوى المواطنين وتضررهم من البرامج الفضائية، سيفكّر المخالف أكثر من مرة قبل ارتكاب المخالفة.يوضح أن هذا الشكل من الإعلام لا يمكن القضاء عليه بين يوم وليلة، بل سيستمرّ في عصر السماوات المفتوحة، مشيراً إلى أنه «من الممكن تحجيم هذه الظاهرة ومجابهتها بما يمكن أن نصفه بالتربية الإعلامية للمواطن والارتقاء بوعيه، بداية من مراحل التعليم الأولى، فضلا عن ضرورة توسيع قاعدة النقد والرقابة المجتمعية على الإعلام، لأن القوانين والتشريعات لن تغلق هذه القنوات فجأة، ولكنها ستحكم الظاهرة بعض الشيء».يشير شومان إلى أن سنوات الثورة الثلاث سجلت محاولات جادة من الإعلاميين لرفع هامش حرية الإعلام، وفي الوقت نفسه شهدت أعلى معدلات التسييس والابتذال على حساب المهنية واحترام مواثيق الشرف، وانتهاك خصوصية المواطنين وتشويه البعض. عناصر شاذةتستنكر الدكتورة ليلى عبد المجيد، عميدة كلية الإعلام في جامعة الأهرام الكندية، استضافة من وصفتهم بالعناصر الشاذة في البرامج التلفزيونية ومناقشة أفكارهم التي لا تساهم في أي تقدم، مشيرة إلى أن من مسؤولية الإعلام أن يدرك ما يقدمه، وأن يتحلى بضوابط وأسس تتماشى مع قيم المجتمع، موضحة أن ما يقدَّم من هذه الأفكار والطروحات الغريبة على المجتمع، لا يعد تعبيراً عن الرأي، ولا يندرج تحت بند الحرية بأي حال من الأحوال.بدوره يشير الدكتور عادل عبد الغفار، أستاذ الإعلام والرأي العام في جامعة القاهرة، إلى أن الاتجاه إلى الإثارة أصبح أحد الملامح الرئيسة للأداء الإعلامي في مصر، لافتاً إلى أن هذا الاتجاه يتخذ أشكالا عدة منها: التركيز على فتاوى غريبة، اجتزاء جزء من التصريحات، اختيار عناوين لا تتفق مع المضمون، طرح موضوعات غريبة في البرامج ليست في أجندة المجتمع، ترك الأساسيات والقضايا الجوهرية والتفرغ للتفاهات.يضيف أن تركيز الإعلام على مثل هذه الأمور الهامشية يصيب المواطنين بالإحباط، لافتاً إلى أن دور الإعلام يجب أن يكون مساندة الدولة في توعية الرأي العام.يرى أن حسابات الإعلام تقيس مسألة الإثارة بحجم المشاهدة، فكلما لجأت إلى الإثارة ارتفعت نسبة المشاهدة، وهي مسألة تحتاج إلى إعادة نظر، فضلا عن عدم وجود ميثاق شرف يحكم الأداء المهني على الفضائيات منذ بداية الثورة، مؤكداً أن الضمير المهني للإعلام لا يحظى بالاهتمام من بعض الإعلاميين، رغم أن هؤلاء هم أولى الناس بالحفاظ على حرية مهنتهم.يتابع: «أحد أهم الأدوار السلبية للإعلام المصري التركيز على أمور فرعية وهامشية على حساب قضايا رئيسة، تقليل من أهمية قضايا كبرى وتكبير موضوعات صغرى، وهو شكل فوضوي غير مقصود وحالة من الخلل والارتباك والفوضى تشتت المجتمع، بدلا من تعبئة الشعب، تقوم على إثارة فتاوى مجتزأة والتركيز على قضايا تافهة، رغم أن الإعلام يفترض أن يدير الأزمة لا أن يختلقها أو يفتعلها أو يتسبب بها».