التاريخ السياسي لسحب «الجناسي»
لا يجوز، من حيث المبدأ، حرمان مواطن من جنسيته، هكذا، وبالذات عندما يكون السحب والإسقاط لأسباب سياسية.وحتى إن كان هناك قانون يتيح ذلك، كما هي الحال عندنا، فإن ذلك القانون يجب أن يتم تعديله، وتضييق حالات سحب أو إسقاط الجنسية، فإن وجدت، كالتزوير مثلاً، فمن الواجب أن تخضع لرقابة قضائية، وأن يُمنح المتهم، في هذه الحالة، حق التقاضي ودفع التهمة عنه، تلك هي أبسط مبادئ العدالة، كما عززتها نصوص الدستور الكويتي.
تحت أي منطق، سيادي إن شئت، يتم إسقاط جنسية مواطن بالتأسيس أو "بصفة أصلية"؟ وهل فكّر جهابذة الإسقاط، أين يذهب مواطن بالتأسيس تم إسقاط جنسيته؟ وكيف سيتم التعامل معه؟ بالطبع لا يمكن إبعاده، فكيف سيقيم؟ أما الطامة الكبرى فهي في إسقاط جنسية مواطن وسحبها من كل مَن حصل عليها بالتبعية. مواطن "بصفة أصلية" يتم إسقاط جنسيته وإسقاط من حصل عليها بالتبعية؟ كيف؟ أوليست العقوبة شخصية؟ أو لا تزر وازرة وزر أخرى؟الجنسية هي العلاقة بين الإنسان ووطنه، وهي مفهوم حديث، وهي العنصر الرابع للدولة، ومن دون المواطنين تسقط الدولة وتختل وتتهاوى، ولذا صار لزاماً على الدولة، والحكومة جزء منها، أن توفر الحماية الضرورية للمواطنين من سحب جنسياتهم تعسّفا، بغضّ النظر عن الموقف من الشخص المسحوبة جنسيته، أحببناه أم لم نحبه، اتفقنا مع موقفه السياسي أم لم نتفق. أما القول إن إسقاط الجنسية لأسباب تهديد الأمن الوطني، فتلك تهمة خطيرة، وهي تحتاج إلى أن يتم تقديم الشخص المعني للمحاكمة، وليس إسقاط جنسيته فحسب، فكيف تستقيم الأمور في هذه الحالة؟!لو كانت واقعة سحب الجنسيات قانونية، لناقشنا الأمر قانونياً، ولكننا أمام أمر أكثر تعقيداً، فهي قرارات سياسية بامتياز، يراد تلوينها بلون قانوني، وهي محاولة ساقطة على الجانبين، قانونياً وسياسياً. وهي ليست قادرة على الصمود أمام المبادئ العامة لحقّ الإنسان في الحياة والاعتراف بشخصيته القانونية.كلما كانت صلاحيات سحب الجنسية مطلقة، لا حاجة فيها إلى دليل ولا تخضع لرقابة قضائية، صار مفهوم الدولة برمّته على المحك، وصار خطراً على المواطنين وعلى الدولة ذاتها، فالجنسية ليست ملكاً لسلطة أو حكومة، تمنحها لمن تشاء وتسحبها ممن تشاء وقتما تشاء، لا يراجعها فيها أحد، لا قضاء، ولا غيره. إذن وحيث إن المسألة سياسية بحتة، صار علينا أن نبيّن تهافت المدخل السياسي لسحب الجناسي... وللحديث بقية.