لم أفهم، حتى هذه اللحظة، أسباب ودواعي القرار الذي اتخذه المنتج الشاب محمد حفظي باقتصار مدة عرض فيلم «فرش وغطا» في الصالات التجارية على أسبوع فقط؛ خصوصاً أنني لم أقتنع أيضاً بقوله في معرض تبريره للقرار، بأن «السوق السينمائي المصري يمر بمرحلة تعافي، عقب انتهاء فترة حظر التجوال، فضلاً عن الطبيعة الخاصة لفيلم «فرش وغطا»؛ إذ إنه ينتمي إلى نوع من الحكي السينمائي غير المعتاد، وهو ما يعني توجهه إلى جمهور يبحث عن سينما مختلفة»!
كنت أتمنى، نظراً إلى ما أعرفه عن محمد حفظي من جرأة عاقلة وولع بالمغامرة، أتاحا له أن يُصبح أحد أهم المنتجين المصريين؛ بعد تأهل أفلامه للعرض في مهرجانات دولية مثل: كان، برلين، فينيسيا، لندن، تورنتو، إسطنبول، مونز، أوسلو وساندانس، وعربية مثل: دبي، أبو ظبي، قرطاج، القاهرة، بيروت والدوحة تريبيكا، أن يكون متسقاً مع نفسه، ويكشف عن الأسباب الحقيقية التي دفعته إلى اتخاذ القرار، غير المسبوق، بعد تأكيد أحمد عبد الله السيد مخرج الفيلم والمنتج المعروف محمد العدل بأنه، أي حفظي، باع الفيلم إلى قنوات مشفرة، وأن الاتفاق نص على عرضه على شاشاتها مع انتهاء عرض الأسبوع الواحد!هذا هو التبرير المنطقي، خصوصاً أن حفظي تناقض مع نفسه عندما قال إنه «واثق أن «فرش وغطا» سيكون ممتعاً للجمهور، ومن المهم إقناع الناس بمشاهدته»، فكيف يكون الفيلم ممتعاً في الوقت الذي يُصدر منتجه قراراً بحرمان الجمهور من مشاهدته؟ وكيف يكون «عرضه بشكل محدود مفيداً»، حسب تعبيره، ومن أي ناحية وبأي طريقة؟ وكيف ننمي لدى الجمهور ذائقة التجاوب مع السينما التي تعتمد على طريقة سرد غير تقليدية، ونحن نُقصيه بعيداً عنها؟الأمر المؤكد أن حفظي استن، بقراره غير المدروس، سنة غير حميدة ربما تكون لها عواقب وخيمة على صناعة السينما المصرية، إذا ما اقتدى به المنتجون الآخرون في المستقبل القريب، وعمدوا إلى الاكتفاء بعرض الفيلم السينمائي في الصالات التجارية لمدة أسبوع، تنفيذاً لشروط أصحاب القنوات المشفرة، وحسب ما تنص عليه بنود العقود المُبرمة معها، وهو ما يعني حرمان الجمهور المصري من مشاهدة الأفلام الجديدة، ووقوعه تحت رحمة هذه القنوات، التي لا يعلم سوى الله متى ترفع قبضتها عن الفيلم، وتسمح بعرضه على شاشات القنوات المفتوحة؟«فرش وغطا»، حسب ما أعلنت الشركة المنتجة، عُرض على ثماني شاشات فقط في القاهرة والإسكندرية، بواقع ست شاشات في القاهرة وشاشتين في الإسكندرية، ولوحظ في هذا الصدد أن الشاشات تقع في مناطق نائية؛ إذ لم يُعرض الفيلم في شاشة واحدة في قلب القاهرة، فضلاً عن ارتفاع قيمة بطاقات الدخول بشكل مبالغ فيه، وكأن المطلوب فرض حصار جغرافي واقتصادي على الفيلم، وحرمان رجل الشارع البسيط من مشاهدة الفيلم الذي قام ببطولته كل من آسر ياسين ويارا جبران وعمرو عابد، وسبق له الفوز بجائزة «أنتيجون» الذهبية لأفضل فيلم روائي في مهرجان مونبلييه لأفلام البحر المتوسط في فرنسا! أمر منطقي ومشروع أن يسعى المنتج إلى التكسب من وراء القطعة الفنية التي أنفق على إنتاجها مبالغ طائلة من ماله الخاص، سواء من خلال عرضه في أكبر المهرجانات السينمائية العالمية وأعرقها، أو تسويقه من خلال بيعه للصالات التجارية، القنوات التلفزيونية، خطوط الطيران والحافلات العامة. لكن ما هو غير مشروع ولا مقبول أن يطغى هاجس الربح على المنتج بحيث يتورط في ارتكاب خطوة، من نوع ما اقترفه حفظي، تقود إلى حرمان الجمهور من مشاهدة هذه القطعة الفنية، تحت ذريعة أنه نجح في تحقيق العائدات التي تُعيد إليه أمواله من دون الحاجة إلى هذا الجمهور؛ فعلاوة على الجرم الذي يرتكبه في حق الجمهور، فهو يجني على فريق عمل الفيلم عندما يحرم أعضاءه من حق أدبي ومعنوي يتمثل في إتاحة الفرصة لمتابعة أحدث إبداعاتهم، والوقوف على تطور أدائهم وانتقادهم إذا لزم الأمر، وهي الفرصة التي تتضاءل كثيراً في حال الاكتفاء بعرض الفيلم لمدة أسبوع فقط، وتحيل العملية الفنية بأكملها إلى صفقة تجارية بحتة!بقي احتمال أخير أن يكون «فرش وغطا» قد احتوى على رسالة ما يسعى المنتج محمد حفظي وأطراف أخرى إلى التعتيم عليها ومحاصرتها في أضيق نطاق، بعد ما قيل إن الفيلم يُطالب بتغيير الواقع، من خلال رصد سكان الأحياء الفقيرة وسكان المقابر وواقع جامعي القمامة، وغالبيتهم من المسيحيين المتخصصين في هذه المهنة، وهو احتمال مُستبعد ومؤجل البت فيه إلى اللحظة التي أفرغ فيها من مشاهدة الفيلم، ووقتها سيكون لنا حديث آخر.
توابل
فجر يوم جديد: {فرش وغطا} تحت الحصار!
29-11-2013