مع ضرورة الاستمرار في الاهتمام بالتفاصيل، لأن التفاصيل بالنسبة إلى تطورات العراق المتسارعة والمتلاحقة تحدد الاتجاهات الأكثر خطورةً لما يجري في هذا البلد العربي، فإنه لابد أيضاً من التركيز من الآن على احتمالين مهمين هما:

Ad

الأول: أن يستدرج الإيرانيون هذه الإدارة الأميركية المترددة والبائسة، التي على رأسها باراك أوباما، إلى الموافقة على العرض الذي تقدم به الرئيس الإيراني حسن روحاني فور بدء تطورات العراق "الدراماتيكية" الأخيرة، وهو أنْ يكون هناك تعاون، بل شراكة بين طهران وواشنطن لمواجهة "داعش الإرهابية"، ووقف زحفها نحو بغداد، ونحو مدن الجنوب العراقي التي تُعد كلها مدناً شيعية بدون أي استثناء.

ولعل ما يوضح حقيقة ما يريده الإيرانيون أن حسن روحاني، بعد "سقوط" الموصل مباشرةً، قد سارع إلى الإدلاء بتصريح، قال فيه: إن بلاده قد تضطر للتدخل عسكرياً، ولكن استناداً إلى القانون الدولي، لمواجهة "داعش الإرهابية"، ولمساندة الحكومة "الشرعية" ورئيسها نوري المالكي، الذي تعتبره طهران الأقرب إليها من بين كل القيادات الشيعية السياسية والدينية.

إنَّ طهران عندما تبادر فوراً إلى مثل هذا "العرْض" الذي توجهت به إلى الولايات المتحدة الأميركية فإنها ترمي إلى عدم اقتصار التعاون المنشود بينها وبين إدارة باراك أوباما على العراق فقط، بل يتجاوزه إلى كل هذه الأزمات المتفجّرة في المنطقة كلها، وفي مقدمتها الأزمة السورية.

 وحقيقة، إنَّ هذا هو ما أخاف بعضَ الدول العربية المعنية من مبادرة أميركا المتعلقة بالأنشطة النووية، حيث كانت هناك خشية، لا تزال واردة، من ألا تتوقف الصفقة المنشودة بين الأميركيين والإيرانيين عند مسألة التخصيب النووي الإيراني، بل تتعداها إلى تكامل الأدوار عسكرياً وسياسياً في الشرق الأوسط كله، بل وأبعد من الشرق الأوسط.

الآن تعتبر إيران نفسها، نظراً لسيطرتها على العراق وعلى سورية عملياً وعلى لبنان، الرقم الرئيسي في هذه المنطقة التي كلها، باستثناء إسرائيل وتركيا، منطقة عربية، ولذلك فإنها إنْ هي تمكنت من إطفاء جذوة انتفاضة السُّنة بمباركة أميركية عنوانها: "ضرورة التصدي لداعش والقضاء على هذه الموجة الإرهابية" فإنها ستصبح مطلقة اليد في هذا الشرق الأوسط بأسره، وخصوصاً إذا تمكنت بجهود أميركية من التفاهم مع الأتراك والإسرائيليين، خاصة أن هناك مصالح مشتركة كثيرة لمثل هذا التفاهم الذي هو غير مستبعد على الإطلاق.

أما الاحتمال الثاني فهو أنْ تبادر إيران، بحجة مساندة الحكومة العراقية (الشرعية)! ومواجهة "داعش" والتصدي للإرهاب في العراق أولاً وفي سورية والمنطقة كلها ثانياً، إلى قصف جويٍّ مركز ومستمر على المدن والمناطق السنية القريبة من الحدود السعودية والحدود الأردنية، بهدف تهجير الملايين من أبناء هذه الفئة العراقية ودفعهم في اتجاه هذه الحدود، ليصبحوا لاجئين مثل اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا... وفي العراق نفسه.

الكل سمعَ تهديدات بشار الأسد التي تستند إلى تهديدات إيرانية مماثلة بتحويل هذه المنطقة كلها إلى محيط متلاطم من الفوضى العارمة، ويقيناً أنه إنْ لم تؤخذ هذه المسألة الخطيرة بالمزيد من الاهتمام وإنْ لم تبادر الدول المعنية، أي المملكة العربية السعودية والأردن ومصر والإمارات والكويت والبحرين... وأيضاً المغرب، إلى المسارعة لوضع الخطط المعاكسة الملحة والمطلوبة، وإلى التفاهم مع الأميركيين على حل سياسي لهذه الأزمة العراقية المتفجرة تتضمن استبدال الحكومة الحالية، حكومة نوري المالكي الميليشياوية، بحكومة مصالحة وطنية تُنهي معادلة المهزوم والمنتصر التي وضعها بول بريمر، وتجعل السُّنة العرب شريكاً ومشاركاً رئيسياً في هذه المعادلة الجديدة... إنه إنْ لم يحدث هذا بسرعة، فإن هذه الفوضى المشار إليها، التي يريدها الإيرانيون ومعهم بشار الأسد ويسعون إليها، ستصبح حقيقةً وأمراً واقعاً، وعندها فإن الشرق الأوسط كله سيدخل في نفق مظلم سنوات طويلة.