«كرسي في الكلوب» *
إن أجمل صور التكافل المجتمعي واحترام حقوق ومعتقدات الآخرين، أن يقدم كل طرف الآخر على نفسه وألا تُستخدم المناسبات لفرد العضلات والتصادم والصراع "أبو تحت الطاولة"، والله قد كبرنا على هذه القصص السخيفة، عيب على شيباتنا نقل هذه الأمراض لصغارنا.
![د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب](https://www.aljarida.com/uploads/authors/991_1667658654.jpg)
الآن، كلما تذكرت القصة، اختنق قلبي وراودتني صور سوداء، ليس لأن النقد أتى لاذعاً وساخراً، فأنا أعتقد بحق النقد أن يكون كذلك، وأحياناً بوجوب أن يكون كذلك، ولكن يعم نفسي حزن كبير كلما فكرت في تلك اللحظة التي قلبت ما في نفس هذه الصديقة إلى عداء، هذه اللمحة من الزمان عندما قررت أن "هؤلاء" هم "الآخرون" المتغربون عن حقها وحقيقتها، أي سنة من عمرها، أي يوم من أيامها حصلت فيها هذه النقلة، فتغير قلب صديقة المدرسة وتعتم داخلها واسودت رؤيتها؟لا أود أن أستسلم لرعب اللحظة، لكنه يأخذني إلى مساحات شاسعة من الدماء غرقت فيها أوروبا، أرى فيضانها متجهاً نحونا بقوة، وأرانا نتراكض باتجاهه كل يحمل طائفته ومعتقده سيفاً على رؤوس أعدائه.سيأتي الخلاص في يوم؟ لربما لا، فنحن قوم لا نحب أن نغير شيئاً، لا تتغير تفاسيرنا، لا تتبدل كتبنا الدينية، لا تتغير طريقة تعاطينا مع أمور حياتنا، مازلنا نحسب تقويمنا الهجري طبقاً للعين المجردة نابذين التكنولوجيا كبدعة يمكن لها أن توحدنا وتقطع الشك باليقين بيننا، مازلنا كل سنة نحتلف على بداية رمضان ونحتلف على نهايته، مازلنا في كل عيد ننقسم بين معيِّد مبكر ومعيِّد متأخر، وما زال "يوم عاشوراء" مدعاة فرقة بدلاً من أن يكون عبرة تاريخية وموعظة تقرب ودرساً ينفع. كل الشعوب توحدها مآسيها وذكرياتها التاريخية إلا نحن، مازلنا نلهث في أرض المعركة فريقين لن يتوقفا إلا بعد أن يفنيا بعضهما بعضا. أن تستخدم الأيام العشر من المحرم لتذكر أسباب الفرقة والاختلاف في حين تهمل واجباتك وعملك، أو أن تتعنت فتوظف صلاحياتك لتجبر الناس على العمل المضاعف الذي قد يحرمهم تعبدهم في هذه الفترة، كلتاهما صورة بشعة من طائفية خفية، تضع على وجهها بودرة "التكافل" وعلى شفاهها أحمر "التلاحم"، وهي في حقيقتها قبيحة دميمة لا ينفع معها عطارة ولا طب.إن أجمل صور التكافل المجتمعي واحترام حقوق ومعتقدات الآخرين، أن يقدم كل طرف الآخر على نفسه وألا تُستخدم المناسبات لفرد العضلات والتصادم والصراع "أبو تحت الطاولة"، والله قد كبرنا على هذه القصص السخيفة، عيب على شيباتنا نقل هذه الأمراض لصغارنا.مرة في حياتنا نحتفل بمناسبة دينية دون فتاوى اختلافية وعداءات داخلية، مرة نتقبل أننا لسنا متشابهين، مرة نتفهم أننا قد نكون على "صواب يحتمل الخطأ"، مرة نقول ما نؤمن ونؤمن بما نقول، مرة ندع الصراع يقف عند باب الفكر دون أن يدق باب الأرواح والأرزاق، ولربما، لربما يأتي الخلاص في يوم.* تعبير مصري عن انتهاء الحفلة وبدء الشجار الذي يعلنه ارتفاع كرسي في الهواء ليضرب لمبة الإضاءة.