متى تنهض «التحقيقات» من كبوتها؟!

نشر في 22-12-2013 | 00:01
آخر تحديث 22-12-2013 | 00:01
تأملت كغيري أن يقوم الرئيس الجديد للإدارة العامة للتحقيقات بقلب الإدارة رأسا على عقب، مطورا للإدارة وداعما لحقوق أعضائها ومزيلا لأي عقبات قد تواجه العاملين فيها من محققين ومدعين حتى قبل المتقاضي العادي، إلا أن الفترة الماضية كفيلة بتقييم أداء الإدارة الحالية، والتي برهنت على أنها  استمرار لمنهج الإدارات السابقة التي كرست منها إدارة أمنية تابعة بامتياز لوزارة الداخلية يديرها رجال الأمن ويعمل من تحتهم مجموعة من المحققين المدنيين، بل إن جزءا منهم عسكريون بالأساس

وكل ما في الأمر أن حال الإدارة يسمح بتبادل الأدوار!

الإدارة العامة للتحقيقات ليست بإدارة عادية، بل هي جهاز يفترض أن يكون مستقلا بذاته، شأنه شأن النيابة العامة، وقع تحت أقدار الاعتبارات الاجتماعية التي سمحت بتبعيته لوزارة الداخلية عقب إصدار الدستور، وتلك التبعية جعلت من هذا الجهاز إدارة خاضعة لإشراف وزير الداخلية شأنها شأن باقي الإدارات، في حين يفترض بالجهاز انه منذ تعيينه إلى سلطاته إلى رقابته وحتى التفتيش على أعضائه هو جهاز مختلف عناه الدستور بصلاحيات قضائية، ومن بعد الدستور رسم طريقه  قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، إلا أن هذه التبعية التي نقلت لاعتبارات اجتماعية الاختصاص لوزارة الداخلية والتي كانت محض تأقيت زمني لم تعد اليوم متوافرة، وبات هذا التأقيت الاستثاني من أسوأ الاستثناءات القانونية التي عاشتها البلاد منذ نشأتها وبسببه ساء العمل شيئا فشيئا لكونها جزءا من وزارة تتحمل عبئا ثقيلا على أرض الواقع ولا وقت لديها أن تسمح بتطوير الجهاز أو بقلبه رأسا على عقب كما نطمح جميعا!

إدارة التحقيقات ونتيجة لارتدائها الثوب الأمني الذي ألزمتها به تبعيتها وخضوعها الإداري والمالي لوزارة الداخلية أصبحت جزءا لا يتجزأ من الروتين اليومي الذي تعيشه إدارات الوزارة بكثرة إجراءاتها وتأخيرها في إنجاز الاعمال التي يتعين عليها القيام بها سواء كان الأمر متصلا بشكاوى الجنح التي تقدم إليها او حتى بالملفات التي تقرر مصيرها أو حتى ما يتصل بكيفية التعامل مع العاملين فيها من محققين ومدعين عامين!

أمر بات واقعيا أن يستغرق وصول الشكوى من يوم تقديمها للإدارة حتى المخفر للتحقيق فيها ثلاثة أشهر، وبات طبيعيا أن يبقى ملف القضية في المخفر اكثر من خمسة أشهر وربما إلى سنة لأن تحريات المباحث  لم ترد للمحقق رغم أن أقسام التحريات التابعة للمباحث لا تبعد إلا أمتارا في كل مخفر، كم بات طبيعيا ومقبولا أيضا أن يستغرق اعتماد ترقيات المحققين من إدارتهم اكثر من سنة ونصف السنة ولم تعتمد حتى الآن الوزارة لترقيات 90 محققا وعند اعتمادها لن يكون ذلك بأثر رجعي أسوة بالمعمول به في النيابة العامة!

ليس ذلك فحسب فإدارة التحقيقات أخذت مسلكا عقابيا مخالفا للدستور في كل القضايا الجنائية المالية فإن كان هناك متهم بقضية مالية ولو ملفقة فذلك يعني منعه من السفر ولا يمكن رفعه إلا من المحكمة أي بعد 5 أشهر أو أكثر بسبب نهج الإدارة، علاوة على رفضها لأية تظلمات تقدم لرفع منع السفر!

الإدارة العامة للتحقيقات بشكلها الحالي هي جهاز يملك صلاحيات قضائية مثقل بالفوضى الإدارية والخلل الفني والاداري والبطء في الإنجاز وإرتباطه الوثيق بالمؤسسة الأمنية وهي مظاهر لايمكن لمرفق يملك صلاحيات قضائية أن يحقق الرسالة المرجوة منه تحقيقها كما يجب، وهو الأمر الذي يوجب على مسؤوليها أن يستعجلوا بسلسلة من الإصلاحات التي تنهض بالإدارة من الفوضى والخلل التي تعيشها وظهرت بشكل لايليق أن تظهر به، ويحق لي أن أتسائل متى تنهض الإدارة من كبوتها!

back to top