عرفت السينما المصرية ظاهرة أفلام المقاولات قليلة الكلفة، ضعيفة التقنية، وضحلة الرؤية والفكرة، وباختفائها عادت الأمور إلى مسارها الصحيح، مع الاعتراف بتراجع الإنتاج، على صعيدي الكم والكيف. لكن شهدت الساحة الفنية، في الآونة الأخيرة، اتجاه بعض من يفتقدن الموهبة إلى استغلال الإنتاج كبوابة مرور إلى التمثيل، وهو ما فعلته سما المصري في فيلم {على واحدة ونص}، علياء كيبالي في فيلم {متعب وشادية} وأقدمت عليه ابتسام المكي في فيلم {ظرف صحي} الذي أنتجته وشاركت في بطولته من خلال شخصية {المعلمة} التي تتخذ من إدارة المقهى الشعبي ستاراً للاتجار في المخدرات، وبدت وكأنها تقتفي أثر فيفي عبده في الشكل والأداء، وأن كل ما يهمها أن تمارس فعل التمثيل من دون أن تهتم بتدريب نفسها أو اختيار المخرج الذي يملك القدرة على اكتشاف ما لديها من إمكانات!

Ad

فشلت {المكي} في التمثيل، وسقطت في اختبار الإنتاج الذي اتسم بالهزال والفقر الشديد؛ فالرغبة في تقليص الموازنة أعطى الأولوية لممثلي الصف الثاني (حسام فارس، عايدة رياض، سليمان عيد، نرمين ماهر، إيمي طلبة، علاء مرسي، روان فؤاد، ضياء الميرغني، بدرية طلبة ومنة عرفة) واختيار دوللي شاهين لم يحقق الهدف بعدما استشعرت أنها تقف في المكان الخطأ، ولم تُكمل تصوير مشاهدها في السيناريو. فما كان من المنتجة سوى أن استبعدتها، وعوضتها بلقب {ضيفة الشرف}. وباستثناء المخرج إبرام نشأت لجأت المنتجة إلى حيلة عجيبة أسندت بمقتضاها مهنة جديدة لكل طاقم الفيلم؛ فاختارت لنفسها أن تمثل، وأسندت أدواراً لكل من المشرف العام بليغ حمدي، وكاتب السيناريو عبد المنعم طه، وكاتب الفكرة محمد رضا، ومنحت الفرصة للوجه الجديد خالد عمر ولاعب كرة القدم إبراهيم سعيد وثلاثة فنانين شعبيين هم: عبد الباسط حمودة، محمود الحسيني وطارق عبد الحليم والراقصة برديس. ليس من باب التشجيع بل طمعاً في توفير النفقات؛ إذ جرى العرف أن يتبرع الواحد منهم بأجره حباً في الظهور على الشاشة!

 على إيقاع موسيقى مسروقة وممسوخة، تتوالى عناوين فيلم {ظرف صحي}، وباكتمالها تستعرض الكاميرا في حركة عرجاء المدينة حتى تصل إلى الحارة لنتعرف إلى نماذج مشوهة من البشر؛ كالسباك {سيد شطاف}، السمكري {بقو}، الحانوتي، القوادة {أم بطة} والمعلمة {التزام} وصبيها المخنث. وتتوالى الفواجع، والميلودراما الفاقعة؛ فالمعلمة لا تكتفي ببيع المخدرات، وإنما تتعامل بالربا، وتلقنها الأقدار درساً عندما تروح ابنتها ضحية المخدرات التي تروجها الأم، والفتاة التي تبيع المناديل الورقية في إشارة المرور تفقد شرفها، وتموت أثناء إجهاضها، والفتاة الشريفة تفاجأ بأن فتاها يرتاب في سلوكها، والحانوتي المتصابي يريد أن يغير نشاطه ليتزوج. ومع كل أزمة يُحمل السيناريو المهلهل المسؤولية للفقر المدقع، وكأنه يتبنى المقولة الشهيرة  لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه {لو كان الفقر رجلاً لقتلته}، فالعلاقات العاطفية لا تنتهي بالزواج الشرعي بسبب الفقر، وضيق الحال شجع الآباء على بيع الفتيات الصغيرات للأثرياء الكهول في زيجات غير متكافئة، ومثلما فعل كاتب السيناريو عندما قال على لسان إحدى الفتيات إن {الخلاص من النكد يأتي بالرقص}، ويندفع المخرج إلى تقديم رقصة بين دوللي شاهين، روان الفؤاد ونيرمين ماهر، يطرح أيضاً حلاً عبقرياً لمشكلة الفقر باتفاق {سيد شطاف} مع رفيقيه: سليمان عيد وعلاء مرسي على أن {الخلاص من الفقر يأتي بالسرقة}. ووسط مشاهد عبثية الشكل وركيكة التنفيذ، يتورط الأصدقاء الثلاثة في علاقة مشبوهة مع مافيا تخصصت في الاتجار بالسلاح والآثار، وسعت إلى هدم الدولة، من خلال إجبار الأصدقاء الثلاثة على زرع أجهزة تنصت، بعد إيهام زعيمهم {سيد شطاف} بأنه يقدم خدمة جليلة للوطن، على غرار رأفت الهجان، وهي الحيلة التي رأيناها سابقاً في فيلم {ميدو مشاكل}. لكن {بطة} (دوللي شاهين) حبيبة الزعيم تنجح في التنسيق مع الأجهزة الأمنية التي تتمكن بدورها من القبض على العصابة التي قدمها المخرج {المبتدئ} بشكل ساذج يبعث على الضجر، وهو ما كرره في مشهد مطاردة أفراد العصابة للأصدقاء الثلاثة؛ إذ بدا وكأنه لم يُشاهد فيلم حركة في حياته!

بالطبع كان لا بد من استثمار وجود الفنانين الشعبيين: عبد الباسط حمودة، محمود الحسيني وطارق عبد الحليم فاختار المخرج، بناء على تعليمات المنتجة، أن يقدم كل واحد منهم أغنية منفصلة، وكذلك فعلت الراقصة، في محاكاة للتوليفة {السبكية} المعتادة، التي تكتمل بالنهاية السعيدة؛ حيث تُعلن المعلمة توبتها وتشفى ابنتها من الإدمان، وتكرم الأجهزة الأمنية {بطة} وحبيبها {شطاف}، وتُختتم الأحداث بزواج الأحباء!

مع عناوين النهاية وجهت المنتجة الشكر إلى مسعد فودة نقيب المهن السينمائية، وأتصور أنها أصابت الهدف فإليه يرجع الفضل في تمرير {ظرف صحي} الذي تزكم رائحته الأنوف!