(كتبتُ هذا النص بعد مشاركتي في ندوة أدبية كان الحضور الأكبر فيها للكراسي الفارغة!).

Ad

 وأنا أخرج بالأمسْ/ من هذا البهو المتأنّقِ/ قابلني صحفيٌ في مقتبل العمرْ/ وأراني أوراقاً بيضاءَ محايدةً/ كشِباكٍ خائبةٍ لم تصطدْ غير الماءِ وبعض الأحساكْ.

 فاجأني: "عفواً سيدتي/ قد جئتُ هنا منذ الصبح الباكرِ/ كي أشهدَ هذا المحفلَ/ واخترتُ مكاناً في أقصى القاعةِ/ كي أتجنبَ ذاك الضوء الباهرْ/ وأصختُ السمعَ طويلاً/ لكني لما ثقُلتْ بعضُ الأفكار على أذنيَّ/ تلمستُ المخرجَ نحو المقهى/ الواقع في بهو الفندق/ وبعثتُ رسالة sms لصديقي/ كي يلحقني ويعبّأ بعضَ فراغ القلب. عفواً سيدتي/ ماذا قلتم في هذا المحفل؟/ كي أدرجه في نصف الصفحةِ/ في حالةِ لم يتوفرْ إعلانٌ عن مطعم أو دارٍ للأزياء".

 لم يرعبْني هذا التعليقُ البَدَهي/ بل يبدو أني قدّرتُ كياستهُ/ ذلك أني حين هممتُ بمغادرة البيتِ مساءً/ لأواصلَ – يا سادة – جلسات الندوةِ/ لم أُدهَش أن يجأرَ زوجي – كالمعتاد – بأني امرأةٌ خائبةٌ / وكان الأجدى لو أمضيتُ مسائي / في قلي السمك المرميّ بحوض المطبخ لعشاء الأولاد ! / بدلاً من لغوٍ لا خيرٌ فيه/ ووريقاتٍ من حبرٍ لم تصنعْ صاروخاً أو حتى أزرار قميص!

 أيضاً لم يرعبْني هذا التعليق المعتاد/ وتوسدتُ الشوكَ ككل الليلات المعجونة بالقهر/ لأفيقَ صباحاً في قاعة درسي/ وأراني في درس النقدِ/ - وأنا أتحدث حول "التفكيك" و"أبنية الشعر" و"موت مؤلفِ" ذاك النصّ - / بأني أسبحُ في دائرة المريخ/ وأقطفُ غيماً لا يتكوّر إلا في رأسي/ ولا يمطرُ أبعد من عتبات القاعة.

 عفواً – يا سادة – لهذا الشعر الفجّ/ لكن يُخيّلُ لي/ حين يخاطبُ كلُّ منا صاحبه/ وحين يديرُ الرأسَ لكراسي الجمهور الغائب/ أنّا – في ذات القارب – نبحرُ نحو جزائر لا يعرفها إلانا/ ونجذفُ نحو مناراتِ الغربة/ وأنّا نزرعُ في الريح.

أزعمُ هذا ويُخيّل لي!/ فعذراً – يا سادة – إنْ جئتُ لكم بظنون الغرباء/ وحمولة هذا الظهرِ الواهن/ فلعلي أزعمُ لا غيرْ/ لعلي أزعمْ!!