إن العالم يمر بمنعطف تاريخي فريد، فمن خلال جعل الأدوية واللقاحات وغير ذلك من أدوات الصحة اليوم متاحة للجميع- وبتكثيف الجهود البحثية لتطوير أدوات الصحة للغد- يصبح بوسعنا إغلاق الفجوة الصحية بين البلدان الغنية والفقيرة في غضون جيل واحد، فبحلول عام 2035 سوف نتمكن من تحقيق "التقارب العظيم" في مجال الصحة العالمية، فنحد من الوفيات بين الأمهات والأطفال، بما في ذلك الناجمة عن الأمراض المعدية، لكي تبلغ مستويات غير مسبوقة من الانخفاض في أنحاء العالم المختلفة. وسوف يتطلب الأمر الاستعانة باستراتيجية منسقة وموجهة نحو المستقبل.

Ad

أخيراً، اجتمع فريق يتألف من 25 خبيراً عالمياً في مجال الصحة والاقتصاد (ونحن الاثنان منهم) لوضع هذه الاستراتيجة، وفي عملية دامت عاماً كاملاً حددت المجموعة الأدوات والأنظمة وسبل التمويل اللازمة لتحقيق التقارب الصحي العالمي، وأنتجت مخطط الصحة العالمية 2035، وهو مخطط استثماري طموح من شأنه أن ينقذ الملايين من الأرواح وأن يعزز من رفاهية البشر وإنتاجيتهم ونموهم الاقتصادي.

فمن خلال زيادة الاستثمارات في مجال الصحة يمكن إنقاذ عشرة ملايين إنسان سنوياً، بدءاً بعام 2035، وسوف يكون العائد الاقتصادي هائلاً: فكل دولار يستثمر في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط لتحقيق هذا التقارب العظيم قد يبلغ عائده من 9 إلى 20 دولاراً.

وسوف يتطلب إنجاح هذه المهمة الالتزام العالمي بضمان تمكين الجميع من الوصول إلى تكنولوجيات وخدمات الصحة القوية المتاحة اليوم، مثل لقاحات الأطفال، وعلاج فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والسل، وتوفير رعاية ما قبل الوضع للنساء الحوامل. وسوف يتطلب الأمر أيضاً زيادة التمويل لتطوير وتسليم الأدوات الصحية الجديدة الكفيلة بعلاج الحالات التي تقتل النساء والأطفال بشكل غير متناسب.

ولتحقيق هذه الغاية، فإن تنظيم الأسرة يشكل إحدى السمات الرئيسة لاستراتيجية التقارب. ذلك أن أكثر من 220 مليون امرأة في أنحاء العالم المختلفة تفتقر إلى القدرة على الوصول إلى وسائل منع الحمل الحديثة- وهو وضع غير مبرر، لأن التوسع في خطط تنظيم الأسرة سوف يكون بسيطاً وغير مكلف بشكل ملحوظ. وسوف تكون الفوائد هائلة.

فبادئ ذي بدء، تحسين فرص الوصول إلى وسائل منع الحمل من شأنه أن يمنع ما يقدر بنحو ثلث كل الوفيات بين الأمهات، وسوف يخلف تأثيراً كبيراً بشكل خاص بين أولئك المعرضات لأعلى المخاطر، وتتضمن هذه الفئة النساء من سن 15 إلى 19 عاماً في البلدان الفقيرة، وهن الأقل قدرة حالياً على الوصول إلى وسائل منع الحمل، والنساء اللاتي يحملن عدة مرات في تتابع سريع، من خلال السماح لهن بإطالة الفترة الفاصلة بين كل حمل والذي يليه. فمن خلال خفض معدل الحمل غير المرغوب، يساعد تنظيم الأسرة أيضاً في خفض عدد الوفيات نتيجة للإجهاض غير الآمن.

وهذا ليس أمراً طيباً بالنسبة إلى الأمهات فحسب، فقد تبين أن الحد من حالات الحمل غير المرغوب وإطالة الفترة بين الولادات يقلل أيضاً من معدل الوفيات بين الأطفال وحديثي الولادة. ووفقاً لتقديرات "معهد غوتماخر" فإن تلبية احتياجات النساء من وسائل منع الحمل بشكل كامل من شأنه أن يمنع وفاة 600 ألف طفل حديث الولادة و500 ألف طفل سنوياً.

وعلاوة على ذلك فإن خفض معدلات المواليد، المرتفعة للغاية في العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، من شأنه أن يساعد في الحد من الضغوط المفروضة على أنظمة الرعاية الصحية في هذه البلدان من خلال تقليص تكاليف رعاية الأمهات والأطفال حديثي الولادة والتحصين. ومن ناحية أخرى، يعمل هذا على تسهيل التغيرات الاجتماعية التي تغذي زيادة الإنتاجية والناتج. ووفقاً لدراسة بتنسيق من منظمة الصحة العالمية، فإن العائد الاقتصادي من رفع مستوى القدرة على الوصول إلى وسائل منع الحمل في 27 دولة حيث معدلات المواليد مرتفعة للغاية، مثل أفغانستان وتشاد، قد يتجاوز 8% من الناتج المحلي الإجمالي من الآن حتى عام 2035.

ولكن كم قد يتكلف ضمان تمكين الجميع من الوصول إلى الطب الحديث والخدمات الصحية؟ يقدر مخطط الصحة العالمية 2035 الإجمالي بنحو 70 مليار دولار أميركي إضافية سنوياً، مع تخصيص مليار دولار من هذه الزيادة لتنظيم الأسرة وحده.

لكن أغلب التكاليف من الممكن تغطيتها في نهاية المطاف بواسطة البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل ذاتها. والواقع أن الفاتورة الإجمالية لتحقيق التقارب الصحي العالمي لا تتجاوز 1% من الناتج المحلي الإجمالي الإضافي الذي من المتوقع أن تولده هذه البلدان في العقدين المقبلين. وبعبارة أخرى نستطيع أن نقول إن استثمار 1% من الناتج المحلي الإجمالي من الممكن أن يمنع عشرة ملايين وفاة سنوياً.

ومن الممكن أن تساعد الشراكات المبدعة التي تهدف إلى خفض التكاليف في التخفيف من هذا العبء أيضا، فأخيراً، التقت مجموعة من الحكومات والمؤسسات المانحة، والأمم المتحدة، والجهات الفاعلة في القطاع الخاص بهدف خفض سعر زرع وتركيب وسائل منع الحمل الطويلة الأجل من 18 دولاراً إلى 8.5 دولارات لكل وحدة في أكثر من 50 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل.

يتعين على المجتمع الدولي أن يلعب دوراً رئيساً في تحقيق هذا التقارب، وعلى وجه التحديد، ينبغي له أن يزيد الاستثمار في مشاريع البحث والتطوير في الأمراض التي تؤثر في الفقراء، مثل حالات الالتهاب الرئوي والإسهال في مرحلة الطفولة، والتي تقتل نحو مليوني طفل سنوياً. والواقع أن توجيه المساعدات المالية إلى البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط- على سبيل المثال لتمويل برامج تنظيم الأسرة ومكافحة الملاريا والإيدز- سوف يكون مطلوباً لسنوات قادمة.

إن الفرصة لتحقيق التقارب العظيم في نتائج الصحة العالمية سانحة، ولا نحتاج إلا إلى إقناع أنفسنا بضرورة اغتنامها.

* يامي، أستاذ بمجموعة الصحة العالمية في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيكو، ورئيس مبادرة أدلة السياسة. ساكسينيان، كبيرة مستشاري معهد نتائج التنمية في واشنطن العاصمة.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»