من المتفق عليه أنه على الرغم من معاملة المستثمرين الشهمة للسندات الحكومية الأميركية، وعلى الرغم من السلوك الرسمي الذي لا يليق بأمة تُعتبر عملتها ملاذاً عالمياً آمناً ومخزناً لقيمة العملات الأخرى، سيبقى الدولار قوياً في العام المقبل وسيبقى السوق الأميركي هدفاً رئيسياً بين الأسواق العالمية.

Ad

قبل أسبوعين كان جاك ليو، وزير الخزانة الأميركي، في جولة آسيوية شملت سنغافورة وطوكيو وبكين. واعتقد الذين حضروا الاجتماعات معه أنه جاء للاعتذار عن الطريقة التي سار بها النقاش في واشنطن حول التعامل مع سقف الدين في الشهر الماضي، ثم طمأنة الجميع بأنه عندما تظهر هذه المسألة في المرة المقبلة فسيتم التعامل معها بسلاسة أكثر.

لكن بالنسبة للمستثمرين الذين يتم الحكم عليهم من خلال أدائهم بدلالة الدولار (مثل صندوق الثروة السيادية الصيني)، أو أولئك المستثمرين بغير الدولار (مثل السنغافوريين)، فإن هذه المسألة مهمة جداً، لأن الدولار هو عملة الاحتياطي العالمي. لكن المستمعين الذين كانوا ينتظرون اعتذاراً أو تفسيراً كانوا مخطئين.

بدلاً من ذلك لفت ليو انتباه المستمعين إلى حاجة آسيا إلى تنظيم وضعها وتحسين الإدارة فيها. فضلا عن ذلك، عمَّق الاستياء لدى مستمعيه في أحد الاجتماعات في سنغافورة من خلال رفضه التصدي لمخاوف المصرفيين المحليين بشأن ممارسة أميركا لقوانينها السيادية خارج أراضيها، في الوقت الذي تفرض فيه قوانين من جانب واحد على البنوك الأجنبية الموجودة في أراضيها بأي شكل كان.

لكن كل هذا ليس مهما. فمن المتفق عليه أنه على الرغم من معاملة المستثمرين الشهمة للسندات الحكومية الأميركية، وعلى الرغم من السلوك الرسمي الذي لا يليق بأمة تُعتبر عملتها ملاذاً عالمياً آمناً ومخزناً لقيمة العملات الأخرى، سيبقى الدولار قوياً في العام المقبل وسيبقى السوق الأميركي هدفاً رئيسياً بين الأسواق العالمية. وفي الأسبوع الماضي ارتفع مؤشر ناسداك فوق 4000 نقطة، وهو مستوى لم يصل إليه منذ 13 عاماً، أي منذ انفجار فقاعة التكنولوجيا. ومع أن كل ما هو مالي يندفع إلى مستويات ما قبل الأزمة، فإن الموضوع لم يعد هو اللحاق مرة أخرى بمستويات عام 2007، لأن الحال أفضل من ذلك.

لكن المراقبين الأكثر جدية يتساءلون عن السبب في هذه الحالة. فالأسواق الأميركية في هذه اللحظة الفريدة من الزمن هي المستفيدة من اتجاهين متناقضين: الأول يتعلق بحقيقة ما يحدث اليوم والآخر يتعلق بتوقعات الغد.

ولسوء الحظ، ليس لأي من هذين الاتجاهين علاقة بالأساسيات الاقتصادية. فالحقيقة بالنسبة للسوق الصاعد هي أن الاحتياطي الفدرالي لايزال يوفر سيولة هائلة للأسواق، مسبباً ارتفاعاً مستمراً في أسعار الأصول. والأكثر من ذلك، تُبدي جانيت يلين الرئيسة المقبلة لمجلس الاحتياطي الفدرالي، التزاماً ببرنامج التسهيل الكمي أكثر مما يفعل الرئيس الحالي بن برنانكي.

لكن في الوقت نفسه، العارفون بأحوال السوق الذين كانوا على يقين من أن الاحتياطي الفدرالي سيشدد سياسته ويعود ليحد من مشترياته من الأصول في سبتمبر الماضي، يتوقعون الآن أن يفعل البنك ذلك في وقت مبكر من السنة المقبلة، معتمداً على بعض العلامات الاقتصادية الإيجابية.

ومن المثير للسخرية أن الابتعاد عن برنامج التسهيل الكمي سيكون أمراً مشجعاً لأن الحد من شراء الأصول يعني دولاراً أقوى، وهذا بدوره يعني توقعات بتحسن الأساسيات وربما أخيراً قيام الشركات بالإنفاق على بناء المصانع والمعدات.

والسوق يرتفع لهذين السببين، إذ زادت مضاعِفات سعر السهم إلى الأرباح من 14 مرة في نهاية العام الماضي إلى نحو 17 مرة (تكرارا لما حدث في 2007).

ويقول كريستوفر وودز، المحلل في CLSA: «التوسع في المضاعِفات يقود أداء سوق الأسهم إلى درجة تفوق بكثير الأرباح، وفي الوقت نفسه تُقاد الأسواق إلى حد كبير بإعادة شراء الأسهم مرة أخرى».

ووصلت عمليات إعادة الشراء إلى ما يُقارب 218 مليار دولار في النصف الأول من هذه السنة، ومازالت ترتفع، وكذلك ترتفع الأرباح الموزعة. أما النفقات الرأسمالية، فهي المغلوبة دوماً على أمرها. لكن ليس علينا أن نهتم لذلك، لأن هذا هو ما يجعل الاحتياطي الفدرالي يواصل الضغط على دواسة التسريع النقدي.

وبدأ المحللون من أمثال وود، بالسؤال عن الكيفية التي يمكن بها أن تختل الأمور وتؤدي إلى خفض أسعار الأسهم، باستثناء هزة جيوسياسية ممكنة الحدوث دائماً. أما جواب وود فهو: الانكماش الاقتصادي.

وبما أن الفصل بين الأسعار المرتفعة للأصول المالية والاقتصاد الفعلي مستمر، فهل من الممكن أن يكون حتى لأقوى درجات التسهيل الكمي حدود؟ وهل كلما بدأ عدد متزايد من المحللين يوجهون هذا السؤال يعني أن هذه المرحلة أخذت تظهر في الأفق؟

الدخل الحقيقي لأغلب الناس لم يرتفع أبداً. وإذا كان المستفيدون من التسهيل الكمي هم فقط الأغنياء جداً، فهل من الممكن أن يكون إنفاقهم الحقيقي كافياً لدعم الاقتصاد الفعلي؟ في عالم سيكون فيه الطلب على الأرجح في الغد أعلى مما هو اليوم، وهل يمكن لأسعار الأصول أن تستمر في الارتفاع إلى ما لا نهاية؟ كل يوم تزداد فيه هذه الأسعار، ربما يقربنا من نقطة النهاية.

* فايننشيال تايمز