في 21 يوليو 1960، بدأ إرسال "التليفزيون العربي" ولم تمر شهور حتى طلب مني رئيس تحرير الأخبار بهي الدين نصر أن أقرأ لأول مرة نشرة أخبار التاسعة الرئيسية.

Ad

لما حاولت التملص أبلغني أن هذه أوامر، "الدكتور حاتم قال: خلوا الجدع السوري ده يقرأ لنا النشرة الليلة دي"، وضحك، كان عبدالقادر حاتم يعرف العاملين جميعاً واحداً واحداً؛ إذ لم يكن عددنا عندئذ في التليفزيون كله يزيد على 600، وكان يظن أنني سوري ربما لأن أحداً أبلغه أنني كنت أعمل في الصحافة في سورية قبل التحاقي بالتلفزيون.

كان المقرر أن يقرأ أنور المشري تلك النشرة، وكانت أوراقها بالفعل في يده عندما أبلغوه أن يتخلى عنها لي، لم يغضب، وبرقة بالغة وحرص صادق طلب مني أن أقرأ النشرة أمامه قبل أن أقرأها على الهواء حتى يطمئن إلى إلقائي.

المانغو والكباب

عندما بدأت تقديم برنامج "أقوال الصحف" في سبتمبر 1961 توقف بعد الحلقة الخامسة، قال لي رئيس تحرير الأخبار: "الوزير بيقول لك استريح شوية"، كانت هذه هي الشفرة في ذلك الحين للإعراب عن غضب السلطة، بعدها علمت أن سبب الغضب هو أنني أوردت خبراً عن الرئيس عبدالناصر في نهاية البرنامج وليس في بدايته.

ذهبت إلى مكتب الرئيس في منشية البكري، وطلبت مقابلة سامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات، قلت له: "يا سامي بك، أريد أن أعرف من الرئيس شخصياً إذا كان يعترض على إذاعة خبر عنه في نهاية البرنامج"، وحكيت له الحكاية، ضحك سامي شرف وطلب مني الانتظار في استراحة مكتبه.

بعد قليل ناداني ثانية، وقال: "الريس بيقول لك خد الجرايد وروح على الأستوديو بتاعك على طول من غير ما تكلم حد."

في سنة 1963 كان يصلني في مبنى التليفزيون قفص من المانغو الفاخر كل أسبوع دون أن أعرف مصدره، وعندما طلبت من الأمن أن يتحرى الأمر أخبروني أن القفص جاء مع سائق سيارة ليموزين سوداء فارهة ولكنه يرفض الإفصاح عن اسم الراسل.

 انتظرت للأسبوع التالي، وتبعت السائق، وما ان ركب السيارة حتى فتحت بابها الخلفي وقفزت داخله، أخذت أسأل: "مين اللي قاعد جنبي؟ مين اللي قاعد جنبي؟"، وعندما جاءني الجواب عرفت أنها امرأة.

طلبت منها أن تخلع الخمار، وعندما فعلت تمنيت لو لم أكن ألححت في الطلب، كانت دميمة للغاية فغلبني إحباط شديد، ولكنني حاولت أن أكون لطيفاً بل وافقت على تلبية دعوتها على العشاء، ذهبنا إلى كازينو مجاور للقصر العيني الجديد، وما ان جلست حتى نادت النادل: "هات له كيلو كباب."

كظمت غيظي وأنا أقول لها: "أولاً أنا الذي أنادي الرجل لا أنتِ، ثانياً ما حكاية هات له هذه؟ وأخيراً: الكباب هنا ليس بالكيلو ولكنه بالطبق."

بعد العشاء مدت يدها تحت المائدة وبدأت تلعب في بنطلوني فاستعذت بالله من الفضيحة التي يمكن أن تحدث، حتى اكتشفت أنها تمد لي يدها بعشرة جنيهات لأدفع الحساب، اعتذرت شاكراً، وتنفست الصعداء عندما غادرت، ولما جاء (الثلاثاء) التالي ولم يصل المانغو فلعنني كل الزملاء الذين كانوا ينتظرون القفص كل أسبوع.

«وما أدراك ما الستينيات»

كنّا في عام 1962 عندما طلب التليفزيون مني في الدقيقة الأخيرة تقديم حفل نادي ضباط الجيش بالزمالك مساء 26 يوليو احتفالاً بالذكرى السنوية لطرد الملك، بعدما تغيب عن الحفل مقدمه الأصلي.

عندما وصلت علمت أن مهمتي ستقتصر على تقديم أم كلثوم، وجدت أن الأمر لا يحتاج إلى عناء، وصعدتُ إلى خشبة المسرح، فوجدت أمامي على بعد أمتار جمال عبدالناصر جالسا في الصدارة ومن حوله أعضاء مجلس قيادة الثورة، لكنني لم أتحقق من شخصياتهم لأنني لم أستطع أن أحول نظري عن عبدالناصر، وعلى الرغم من أنه ابتسم ابتسامة عريضة مشجعة فإن رعشة خفيفة أصابتني، وبعد ثوانٍ من الصمت قلت: "أيها السادة، إليكم أم كلثوم"، وقفلت عائداً، فوجدت أم كلثوم في طريقي تتقدم على خشبة المسرح، فاستوقفتني وقالت: "ده كل اللي ربنا فتح بيه عليك؟".

أتذكر يوم 5 يونيو 1967 بكل تفاصيله، عندما وصلنا إلى الشؤون العامة للقوات المسلحة قيل لنا إننا سنذهب إلى "قاعدة فايد الجوية" التي سيصل إليها الفريق طاهر يحيى رئيس وزراء العراق؛ ليتفقد القوة العراقية المرابطة هناك، وسيرافقه في الزيارة حسين الشافعي نائب الرئيس.

كان معي المصوران محمد رجب وفاروق صالح ومهندس الصوت محمد البلتاجي، وصلنا وقت الإفطار فأفطرنا مع الطيارين المصريين في "ميس" الضباط، ثم قمنا بتصوير وصول الضيف العراقي، وبعدها اتجهنا إلى القوة العراقية التي كانت تقوم بتدريبات روتينية.

خدعة قيادة الجيش

فجأة، بينما نحن هناك إذا بدوي انفجار هائل تبعته انفجارات أخرى متتالية، وكانت الساعة وقتها تشير إلى التاسعة إلا الربع، أخذتنا المفاجأة فلم نتبين تماماً ماذا حدث، إلا أنني بعد دقائق لمحت طائرة تحترق عن بعد على المدرج، وبعدها مباشرة لمحت طائرة إسرائيلية تمرق فوقنا في الجو، وتتالت الانفجارات، سارعنا إلى سيارة التلفزيون، وعندما سألنا السائق: إلى أين؟ قلت: "تحرك في أي اتجاه لكن بسرعة".

بعد أن ذهبت بنا السيارة يميناً ويساراً ونحن لا نعرف أين المفر، انتهى بنا الأمر في نادي الطيارين على ضفاف القناة، كان هناك نحو 20 طياراً يتصايحون بهستيرية، وظل واحد منهم يخبط رأسه في جدار حتى سال منه الدم.

فهمت من أحدهم أن معظمهم فقدوا طائراتهم قبل أن يصلوا إليها، وأن ثلاثة من زملائهم فقط استطاعوا الطيران لكنهم لا يعلمون مصيرهم.

خرجت من المكان قبل أن أصاب بالجنون، وعندما وصلت إلى السلم الأمامي إذا بسيارة جيب مكشوفة قادمة وفيها حسين الشافعي عضو مجلس قيادة الثورة ونائب رئيس الجمهورية بعد ذلك جالس إلى جوار الجندي السائق، سألني إن كانت لديَّ معلومات مفصلة عما حدث فأجبته بما أعرف، قال إنه سيعود إذن إلى القاهرة، لكنه استدرك: "تفتكر ناخد أي طريق؟"، نصحت بالطريق الصحراوي.

روائح الفساد

عدنا نحن على الطريق الزراعي الذي كان يمر بثلاثة مطارات عسكرية هي أبوصوير ثم بلبيس ثم أنشاص، لعلنا نستطيع أن نجد شيئاً مناسباً للتصوير، وكانت الطائرات الإسرائيلية تدوي فوق رؤوسنا بين حين وآخر فنغادر السيارة ونرتمي إلى جانب الطريق، أما المطارات فكانت تتصاعد منها النيران جميعاً، في حين كان راديو السيارة ينقل لنا أخباراً عن عشرات الطائرات التي أسقطتها قواتنا.

المؤكد أن قيادة الجيش خدعتنا خدعة كبرى، وللأسف فإننا تحققنا من ذلك بعد ساعات، فقد علمت في صباح اليوم التالي 6 يونيو أن عبدالحكيم عامر أصدر قراره في الفجر بانسحاب الجيش من سيناء.

بالرغم من شعبية عبدالحكيم عامر بين كثير من الضباط، فإنني لم أنبهر به على مدى السنوات القليلة السابقة منذ انفصال سورية عن دولة الوحدة في سنة 1961؛ وذلك بسبب سلوك أعوانه المدللين في دمشق وبسبب فسادهم الذي انتشرت روائحه في القاهرة، ولم أكن أعتقد أنه يملك الكفاءة اللازمة لقيادة جيش مثل جيش مصر.

حواري بولاق

يوم 9 يونيو عندما ألقى عبدالناصر خطاب التنحي، كنت في أستوديو (4) وقتها مع همت مصطفى حيث قدمنا الخطاب الذي بدأ بثه من بيت عبدالناصر في منشية البكري في السابعة مساء، ولما وقعت المفاجأة المذهلة عندما قال: "قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً عن أي منصب رسمي أو دور سياسي"، وقبل أن يكمل الخطاب حتى نهايته، قررنا معا أن نطالب عبدالناصر بالبقاء... "كلام رجالة؟"، سألت همت... قالت: "كلام رجالة".. انطلقنا فور أن انتهى الخطاب.

بعد دقائق طلبنا الوزير إلى مكتبه، وعندما دخلنا صاح فينا: "إنتو عملتوها مسرحية؟ الريس يتنحى وبعدين التلفزيون بتاعه يقول له: لأه؟".. جادلته همت، وانطلقت أنا إلى شباك مكتبه أفتحه وأقول له: "يا سيادة الوزير اسمع الناس وأنت في الدور التاسع بتقول إيه"، كان الصياح من حواري بولاق يتصاعد مطالباً الرئيس بالبقاء وتحمل المسؤولية، ولم نكن ندري وقتها أن مصر كلها بل وشعوب العرب جميعاً تطالبه بأن يبقى.

أثبتت الأيام أن بقاءه كان الضمان الأول لاستنهاض الهمم وبدء حرب الاستنزاف ووضع الخطة التي كانت أساسا لحرب أكتوبر، وفي أيام قليلة بدأ الجيش يستعيد روحه فانتصر في معركة رأس العش بعد ثلاثة أسابيع فقط من النكسة، ثم أغرق المدمرة "إيلات"، وبدأت حرب الاستنزاف عندما رفع عبدالناصر شعار "لا صوت يعلو على صوت المعركة"، واستهل هذه الحرب بإقامة حائط الصواريخ الشهير.

رحيل ناصر

في 28 سبتمبر 1970 انتقل عبدالناصر إلى بارئه، ما إن تتالى بث آيات القرآن الكريم على الشاشة وأنا في البيت حتى هرولت إلى مبنى التلفزيون، طردت من ذهني أن يكون عبدالناصر قد أصابه سوء، ومع ذلك فقد طاردني هاجس أنه ربما يكون قد اغتيل، ولعل هذا ما دفعني إلى الذهاب لا إلى إدارة الأخبار وإنما إلى مكتب الوزير.

هناك كانت تنتظرني الصاعقة... لم يكن الأستاذ هيكل الذي عين وزيراً للإعلام قبل عدة شهور في المكتب... حضر أنور السادات ليلقي البيان، وصحبته إلى أستوديو (4)، وتهيأتُ لأن أقدم السادات وأعلن أنه سيوجه بياناً إلى الأمة، وكان ذلك في الساعة الحادية عشرة إلا خمس دقائق، لكنني قبل أن أظهر على الشاشة بثوانٍ تذكرت فجأة بأي صفة أقدمه، فربما يكون قد حدث في الساعات القليلة السابقة ما لا أدريه... سألته: "بأي لقب أقدمك سيادة النائب؟"... رمقني بنظرة لم أتبين عندئذ معناها وقال: "أنور السادات، مش كفاية كده؟."!

عتاب الأسير

عندما جاء عام 1973، ذهبت إلى مكتب الدكتور عبدالقادر حاتم مباشرة، وعندما قابلته قلت: "جئت لأسلم نفسي إذا كان بمقدوري أن أساهم بشيء"، أشهد أن الدكتور "حاتم" لم يتردد، طلب مني النزول إلى الاستوديو مباشرة، حيث أقمت إقامة تكاد تكون دائمة عدة أيام هي الأيام التي سبقت انسحاب القوات المصرية الذي وصفته السلطة وقتئذ بأنه "انسحاب تكتيكي" بسبب "ثغرة الدفرسوار" يوم 15 أكتوبر.

في ذلك الوقت أجريت الحديث الشهير مع الكولونيل "عساف ياغوري" صاحب أعلى رتبة بين الضباط الإسرائيليين الذين أسرهم الجيش المصري.

عندما عدت إلى المنزل قابلتني والدتي بوجه عابس، ثم إذا بها تعاتبني على إجراء حديث مع ياغوري، لم أستطع أن أضبط أعصابي فصحت: "تعاتبينني يا أمي على الحديث؟ ليه؟ لأن الراجل كان إسرائيليا؟" قالت: "لا، لأنه أسير"، أفحمتني إجابتها فلم أنطق بكلمة.

كنت ولا أزال أعتقد أن الرئيس السادات خذل جيشه؛ إذ إن الجيش كان قد حقق في الحرب انتصارا مبهرا، وكان باستطاعته التقدم إلى الممرات في سيناء مما يضع مصر في موقف تفاوضي أفضل عند انتهاء العمليات العسكرية، لكن السادات أجهض هذا التقدم في وقت مبكر، حتى أن صديقه "هنري كيسنجر" قال إنه بدد كل أوراق الضغط التي كان يمتلكها في البداية.

الكويت تحت الاحتلال

عندما غزا صدام الكويت في 2 أغسطس 1990 كنت في غاية القلق على أصدقائي هناك، كنت أريد معرفة ماذا حدث لهم، خاصة جواد بوخمسين على وجه الخصوص، وكان واحدا من كبار رجال الأعمال في الكويت، فوجئت برجل يتصل بي من الأردن، يقول بلهجة يمنية: "معي خطاب عاجل من "أبوعماد" وهو مهم جدا.. أرجوك أن تقابلني في عمان".

هرولت إلى عمان لأتسلم الخطاب الذي أبلغني فيه بوخمسين أنه نجح في تهريب عائلته، وأنها في طريقها الآن إلى القاهرة حيث ستقيم فيها تحت مسؤوليتي، ولكن المسؤولية الفادحة بالفعل كانت تنتظرني في مظروف آخر كبير حمله الرسول ذاته، فقد كانت فيه رسالة مفادها أن "هذه الأوراق هي توكيلات رسمية لك مني بالتصرف في أموالي"، كانت الأوراق موجهة منه إلى البنوك التي يتعامل معها في القاهرة وبيروت ولندن، وكانت حساباته فيها بملايين يصعب إحصاؤها، أما سطور الرسالة الأخيرة فكانت بالعامية المصرية: "أما عن نفسي، فأنا مش طالع من هنا".

بعد أسابيع قليلة جاءني صوته في اتصال تلفوني يبلغني أنه مع أصحابه الذين أعرف بعضهم ينظمون هناك صفوف المقاومة، تبين أن هؤلاء الرجال ومئات غيرهم قد نظموا تحت الاحتلال ما يشبه الحكومة المدنية، وحملوا السلاح وحملوا القلم أيضا.

وأثناء الغزو، كانت هناك شبكة محكمة تنقل الغذاء والمال ممن عنده إلى من ليس عنده، وكانت هناك خلايا من الأطباء المتطوعين، وكان المهندسون وغيرهم من أصحاب المهن يوزعون الخبز والزيت والأرز .

جريمة كبرى

كان صدام يظن أنه سيكون الطرف الرابح، وكانت الولايات المتحدة تظن أنها الرابحة، ولكننا بعد انتهاء "عاصفة الصحراء" اكتشفنا أن الرابح الوحيد من الحرب كانت الـCNN.

كانت محطة CNN الإخبارية قد أنشئت في الولايات المتحدة في عام 1980، لكنها لم تعرف على المستوى العالمي سوى بعد غزو الكويت؛ وربما لهذا يقول كثيرون إنها ولدت مع الغزو الذي كلفت بتغطيته عديدين من مراسليها ونقلت كل أحداث الحرب خطوة بخطوة، وكان كل من الجانبين العراقي والأميركي يوجه إنذاراته إلى الآخر من خلالها.

بعد دحر القوات العراقية، ذهبت إلى الكويت وكان المطار الذي خرجت منه ودخلت مرات ومرات من قبل خراباً يباباً... "أكو أوامر أن يحرق الأصل (العراق) الفرع (الكويت) وتأكل الأم كالقطط أولادها"، قالها ضابط عراقي بزهو إلى جمع من الأسرى الكويتيين: "المحافظة 19 لا يمكن أن تكون أكثر بهاء من العاصمة بغداد، سنسويها بالأرض حتى تصبح أحقر من أقذر أحياء البصرة"، لكن القدر الساخر جعلنا نرى البصرة تدمر، ومعها كركوك وكربلاء ومئة مدينة ومدينة في العراق ذاته، أما الكويت فقد ظلت معظم مبانيها على حالها أو أقرب ما تكون إلى ذلك.

ورغم كل الخراب الذي خلفه العراق في الكويت فإنه يهون أمام الجريمة الكبرى حيث أحرقت القوات العراقية أكثر من 700 بئر للبترول قبل انسحابها، وهكذا غطت السماء سحابة سوداء امتدت إلى الدول المجاورة (استغرق إطفاؤها 8 أشهر).

اعتذرت لـ«الإخوان»

كان للثورة أخطاؤها ولا شك، وفي مقدمتها مصادرة الحريات وسيطرتها على الإعلام، عن نفسي فقد اعتذرت لـ"الإخوان المسلمين" منذ سنوات عن الأحاديث التي أجريتها مع المعتقلين منهم في السجن الحربي عام 1965، وقد راجت في بعض مؤلفات "الإخوان" بعدئذ أكذوبة، أنني كنت أطلب من ضباط السجن أن يبدلوا المعتقلين الذين كنت أستجوبهم بآخرين حتى أحصل على اعترافات صريحة، بل إنني كنت أصفع بعضهم إن لم يعترف الاعتراف الذي أريد، وأشارك في تعذيبهم أحياناً!

أيقنت أنني ارتكبت خطأ مهنياً وأخلاقياً باستجواب معتقلين قيدت حريتهم فاعتذرت، ورحب "الإخوان" باعتذاري بامتنان، ولكنني عندما اختلفت مع مرسي في 2012 وهاجمته، عادوا عن طريق تنظيمهم الإلكتروني يذكِّرون، في لغة لا علاقة لها بدين ولا خلق، بحكاية السجن الحربي ويضيفون إليها روايات وروايات عن عبدالناصر وحكمه وأيام الستينيات التي كثيراً ما كرروا أنهم لم يشهدوا فيها سوى المذابح والمشانق.

درجات السلم

ما أذكره عن تلك السنوات من حياتي في التليفزيون أننا كنا سعداء، راضين برواتبنا المتواضعة، بدأت بـ14.5 جنيها، وانتهت بـ 55 وكنت أتقاضى 70 جنيهاً بدل ملابس في السنة، في هذه السنوات اشتريت سيارة نصر 1300 بقسط شهري 20 جنيهاً على مدى 24 شهراً، كما تزوجت من زميلتي مذيعة النشرة الفرنسية في الإذاعة عليَّة البرعي في عام 1966 في حفل استقبال في فندق شبرد أظن أنه كان أنيقا كلفني 240 جنيها، بالتقسيط أيضاً.

عندما علم الأستاذ أنيس منصور بنيتي في الزواج قال لي: "أوعى تعملها يا حمدي، أنت طالع، واللي طالع لازم يخفف الحمولة"، أشهد أن حمولتي لم تحل بيني وبين ارتقاء درجات السلم، إن لم تكن قد دفعتني إلى مزيد من الصعود.

«اصحى يا افندي»

بعد حفل افتتاح مهرجان التلفزيون الدولي في الإسكندرية عام 1964، وعندما أوشكت أن أغادر قابلت سعاد حسني ولما علمت أنني مغادر إلى القاهرة طلبت مني أن أصطحبها معي لأنها مرتبطة بتصوير في القاهرة.

انطلقنا حتى وصلنا إلى الاستراحة في منتصف الطريق الصحراوي، وهناك غلبني الإجهاد والنوم فسألتها إذا ما كانت تستطيع قيادة السيارة بدلاً مني فقالت إنها متعبة تماماً، وهكذا استغرقنا في النوم كل في كرسيه حتى جاء موظف في المكتب ودق على الزجاج: "إصحى يافندي النهار طلع"، ولا أظن أنه تبين أن النائمة إلى جواري هي سعاد حسني.