رحلة أميري بركة الأخيرة

نشر في 12-01-2014
آخر تحديث 12-01-2014 | 00:01
 ناصر الظفيري لم تكن رحلة هذا الرجل الذي توفي يوم الخميس البارد في التاسع من يناير 2014 بعد ثمانين عاما تقريبا رحلة سهلة. مات وهو يحمل الاسم الذي لم يولد به. رحل وخلفه حياة حافلة من العمل الأدبي والثقافي شاعرا وناشرا وناقدا موسيقيا، أحب "الجاز" كسمة من سمات الثقافة الأفرو-أميركية، تاركاً نقاده يرتبكون في بحث حقيقته. اسمه يوم ولد في أكتوبر الخريفي عام 1934 لوروي جونز، ليعيد اسمه المسلم امامو أمير بركة، ويستقر أخيرا باسم شهرته الذي عرف به أميري بركة. التحق بأكثر من جامعة دون أن ينال درجة علمية ليلتحق بسلاح الطيران عام 1954، وتتوالى رسائل من أشخاص وهميين تتهمه بأنه شيوعي، ويفصل من عمله لإخلاله بشرف القسم بعد اكتشاف بعض الكتابات الشيوعية في حوزته. اعتقل بعد ثورة عام 1967 في نيوجيرسي لحيازته أسلحة نارية، وفي ذلك العام قرر أن يحمل اسمه الجديد.

تزوج أميري بركة بالناشرة هيتي كوهين، وبعد اغتيال الناشط الأسود مالكوم اكس عام 1965 انفصل عنها، كما انفصل عن غيرها في ما بعد، ليكرس حياته للحركات السوداء التحررية، ويقود مساهماتهم مؤسسا لحركة الأدب السوداء. قدم أحد أهم مسرحياته عن الصراع الملون في أميركا Dutchman في عام 1964.

في كتاب آن تشارتر "قراءات في البيت" كان أميري بركة مصنفا كأحد كتاب جماعة "البيت" الأشهر، إضافة لجاك كاروواك والن جنسبرغ ووليم بورو، الا أن دوره الأهم كان في ولايته نيوجيرسي ومساندة حركة الشباب السود حتى وصول أول عمدة أسود لها عام 1970. وتسميته شارع البلاط للولاية عام 2002-2003، قبل أن تتسبب قصيدته الأهم في مشواره الشعري في سحب اللقب منه. لا أحد يذكر أميري بركة دون أن يربط اسمه بتلك القصيدة التي أثارت غضب أميركا حكومة ونقادا حين ألقاها في يوليو 2002 في السنة التي تلت أحداث سبتمبر، كانت قصيدة مباشرة وصريحة:

"من الذي كان يعرف أن مركز التجارة الدولي سيتفجر.

من الذي أخبر 4000 إسرائيليا يعملون في البرجين أن يلزموا منازلهم ذلك اليوم.

من يعلم لماذا يصور خمسة إسرائيليين الانفجار

من... من... من؟"

كانت القصيدة اتهاما مباشرا للإدارة الأميركية يومها وإسرائيل بوقوفها خلف الأحداث التي غيرت العالم سياسيا وفكريا. لم يندم بركة على قصيدته، وظل يصر دائما على أنها حقيقة وليست قصيدة شعر. وكان الاتهام الجاهز له هو معاداة السامية. لم يتقبل النقاد الأميركيون قصيدة "أحدهم فجر الولايات المتحدة" التي كان يلقيها دائما بطريقته الساخرة والساحرة في الالقاء. لم يحتج أحد على تفاصيل القصيدة التي هاجمت تاريخ أميركا الطويل تجاه الآخر، وكان السبب الأول لرفضها أنها ضد اليهودية. وهو اتهام رفضه بركة وقال: نعم أنا ضد الصهيونية وليس الديانة اليهودية.

طلب منه حاكم ولاية نيوجيرسي أن يستقيل كشاعر للولاية، ويتنازل عن اللقب، لكنه رفض، وفي عام 2003 سنت الولاية قانونا يلغي مسمى شارع البلاط في نيوجيرسي، لسحب اللقب من بركة، واكتفت مدارس نيو وارك في الولاية ذاتها، حيث ولد، بالابقاء على لقبه.

رحل اميري بركة بعد صراع طويل مع حكومات أميركا، وبعد أن تغيرت أميركا تجاه مواطنيها السود بصفته مساهما كبيرا في حركات مدنية وثقافية كان لها الأثر الأكبر في تحقيق هذا التغير.

back to top