يرى الفنان محمد صبحي أن السبب الأول  في أزمة المسرح، سواء في رمضان أو في أي شهر آخر، تسرب الفنانين والمبدعين منه إلى السينما والتلفزيون، لا سيما أن أجورهما الفلكية جذبت النجوم إليهما.

Ad

 يضيف: «تكالب الفنانين على المسلسلات الرمضانية أدى إلى  هجرهم للمسرح الذي يعتبر، أشغالاً شاقة، بالنسبة إليهم، وبمقابل مادي ضعيف، مقارنة بالمجهود الذي يقومون به في الدراما التلفزيونية».

يتابع: «أزمة المسرح لا تتوقف عند الممثلين فحسب، بل ثمة أسباب أولها عدم وجود خطة أو استراتيجية يعمل من خلالها المسؤولون، من هنا على الدولة تبني خطاب يَعلًم الناس الذهاب إلى المسارح، وكيفية انخراطه في  الطقوس الأسرية كما كان يحدث في الماضي».

انفصال عن الواقع

يوضح الدكتور أحمد سخسوخ أن «المسرح أصبح بعيداً ومنفصلاً عن الواقع المصري، ولا يقدم ما يربطه بالمجتمع، مقارنة بالمسلسلات التلفزيونية الرمضانية التي ترصد الواقع المُعاش حالياً، ولم نر من صناعه ما يبرهن  نيتهم تقديم فن راق»، مشيراً إلى أنه توقع أن يكون الحال جيداً عقب ثورتي 25 يناير و30 يونيو، مثلما حدث بعد ثورة 1919 التي رافقها تقدم في مستوى الفنون والمسرح بشكل غير مسبوق.

يضيف أن الثورات يجب أن يتبعها تقدم وتفوق فني، {هذا ما حدث بعد ثورة 1952، ثم هبطت الفنون بعد نكسة 1967، وعاد المسرح إلى أوج تألقه بعد 1973}، لافتاً إلى أن  النكسة المسرحية التي نشهدها، تتحمل مسؤوليتها الحكومة ووزارة الثقافة التي تتعامل مع الفن من منطلق الوظيفة الحكومية والروتين والبيروقراطية والتمغات ودفاتر الحضور والانصراف واستلام السيناريوهات عبر «دفاتر السركي».

يتابع: «أصبحت الأعمال المسرحية مراقبة من جهات عدة، أولها الرقابة على المصنفات الفنية، ثانيها موظفو مسرح الدولة، ثالثها الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى مؤسسة الأزهر التي تتدخل لتمنع بعض الأعمال باعتبار أنها تعدٍّ على الدين، ما يؤدي بنا إلى تقديم أعمال فاترة منفصلة عن الشارع، ولا تعبر عن رأيه أو اهتماماته»، مؤكداً أنه كان يجب على المسرح المصري أن يؤرخ ويوثق للثورتين الأخيرتين، لكن للأسف لم يحدث ذلك على الإطلاق.

إمكانات بسيطة

يعتبر المخرج سمير العصفوري أن الإمكانات المتوفرة لأهل المسرح بسيطة ولا تكاد تذكر، مقارنة بالمسارح العالمية، ويطالب المسؤولين بتطوير أدوات هذا المسرح، وألا يكون مغيباً عن الحياة العامة، وتقديم روايات تلامس مع الواقع.

حول سبب ابتعاده  عن المسرح يضيف: «طموحي الشديد في أن يكون لدينا مسرح عالمي ذو إمكانيات كبيرة لا يقف أمام عوائق الروتين والبيروقراطية، علاوة على  الاختيارات السيئة لقيادات مسرح الدولة، التي أدت، بشكل مباشر، إلى تراجع ملحوظ في أداء المؤسسة المسرحية بكل وحداتها».

بدوره يوضح الفنان فتوح أحمد، رئيس البيت الفني للمسرح، أن أبا الفنون يعمل بطاقة غير عادية في رمضان، مع تنظيم عروض وأمسيات ثقافية وشعرية وحفلات مولوية وإنشاد ديني، سواء على مسرح الميدان أو في معظم مسارح الدولة التي تبدأ عملها من العاشرة مساء وحتى ساعات الفجر الأولى خلال الشهر الكريم، ما ينعكس على الحاضرين والمتابعين للأعمال المعروضة.

 يضيف أنه يتم التركيز على تقديم عروض مسرحية مناسبة لشهر رمضان، مفتوحة للجمهور مجاناً، حرصاً على اجتذاب الجمهور إليها، وحتى يصبح للناس متنفس آخر إلى جانب الدراما التلفزيونية التي تستحوذ على اهتمام المشاهدين والمتابعين.

إدارة ورؤية

يرى المخرج المسرحي خالد جلال أن المسرح المصري يفتقد إلى إدارة حازمة وحاسمة تمتلك رؤية، إذ تسيطر العشوائية في اتخاذ القرارات، وهو سبب رئيس في مرور سنوات طويلة من دون تقديم مسرحيات جديرة بالمتابعة والمشاهدة والتفوق،  رغم أننا نمتلك ممثلين مؤهلين ومدربين.

يضيف أن عقلية الموظف المصري أوصلت المسرح المصري إلى هذه الحالة الرثة، بالإضافة إلى الموازنات الضعيفة، إذ لا يمكن إدارة مثل هذه الموازنة  بعقلية الموظفين الذين يهدرونها  من دون تقديم عروض مميزة، «العبرة عند هؤلاء الموظفين هي الفواتير المعتمدة لاستكمال الدورة المستندية للأوراق بعيداً عن الإبداع أو التميز أو الفن الراقي».

أخيراً يشير الناقد الفني كمال القاضي إلى أن المسرح المصري الذي كان طقساً رمضانياً أصيلاً، أصبح مهملاً خلال هذا الشهر الكريم، مرجعاً السبب الرئيس إلى  تعرضه لثلاثة حرائق أصابته بشلل تام وأبعدت الجمهور عنه، خصوصاً بعد وفاة ثلاثين شخصاً من المسرحيين المبدعين والمتميزين في حريق قصر ثقافة بني سويف في سبتمبر 2005، أو بسبب الانطباع السيئ الذي وصل إلى الجمهور بعد حريق المسرح القومي مساء 27 سبتمبر 2008 ومن قبله حريق المسافر خانة في أكتوبر 1998.

يشير القاضي إلى أن الموازنة الضعيفة التي تخصصها وزارة الثقافة  للنشاط المسرحي، واعتبار المسرحيات من الأنشطة الهامشية التي  لا تدرّ ربحاً، أفرزا جيلاً من الشباب لا يعرف شيئاً عن المسرح ولا يريد أن يدخله ولا يقدر على متابعة عرض مسرحي واحد».