ترى جهات دبلوماسية عربية واسعة الاطلاع في بيروت أن ما ستنتهي اليه حرب غزة لابد أن يترك آثاره على الوضع في كل من سورية ولبنان والعراق، على اعتبار أن ما تشهده الساحات الأربع يصب في خانة مواجهة استراتيجية واحدة بين إيران وحلفائها من جهة وخصوم السياسة الإيرانية العرب والدوليين من جهة مقابلة.

Ad

ورغم أنه لا يمكن تجاهل مفاعيل الصراع العربي الإسرائيلي فإن هذا الصراع بحد ذاته بات موضع صراع بين إيران وخصومها. فإيران تريد مصادرة الدور العربي وقرار الدول المعنية وإسقاط المبادرة العربية للسلام واستبدالها بسياسات "المقاومة والممانعة والمواجهة العسكرية مع اسرائيل"، في حين أن الدول العربية المحورية، وفي مقدمها مصر والسعودية، تتمسك بالشرعيتين العربية والدولية، وترفض سياسة المزايدات التي تخفي في طياتها مشاريع ايرانية توسعية في المنطقة العربية بحجة مواجهة إسرائيل، في حين ان الحقيقة تتمثل برغبة إيرانية في الإمساك بقرارات الدول العربية أكثر من مواجهة إسرائيل.

ومن هذا المنطلق ترى الجهات الدبلوماسية العربية في بيروت تقاطعا في المصالح الإسرائيلية – الإيرانية رغم المواجهات الدائرة في غزة، وتتوقع في هذا الإطار أن ترسو أي تسوية مستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين على مبدأين سبق أن تم اختبارهما في لبنان:

1- تسوية أمنية – عسكرية تحمي إسرائيل من صواريخ حماس تماما، كالتسوية التي حمتها من صواريخ حزب الله منذ عام 2006 حتى اليوم.

2- تسوية أمنية – عسكرية تسمح لـ"حماس" بالحديث عن انتصار لا يوظف في مواجهة إسرائيل، بل في مواجهة الداخل الفلسطيني، وتحديدا في مواجهة السلطة الوطنية الفلسطينية.

وتتوقع الجهات الدبلوماسية العربية المطلعة في بيروت أن يتكرر السيناريو اللبناني في الأراضي الفلسطينية، من منطلق اعتبارها أن المواجهة الحالية بين حماس والإسرائيليين ما كانت لتنطلق لولا الرغبة الإيرانية في ذلك. فطهران التي كادت تفقد آخر أوراقها على الساحة الفلسطينية بفعل المصالحة التي تحققت قبل اسابيع بين السلطة الفلسطينية وحماس، أعادت من خلال حرب غزة الإمساك بورقة حماس لتوظفها في مواجهة السلطة الفلسطينية أكثر مما ستوظفها في مواجهة إسرائيل، تماما كما فعلت في لبنان منذ عام 2006 عندما ارتد حزب الله الى الداخل اللبناني خائضا أكثر من مواجهة على السلطة وصولا الى انغماسه في المواجهات الدائرة في سورية بين النظام ومعارضيه.

وتتوقع المصادر الدبلوماسية العربية في بيروت أن يدخل الرباعي: لبنان وسورية والعراق والأراضي الفلسطينية، بعد انتهاء الفصل الراهن من المواجهة في غزة، في مرحلة جديدة من رسم الأحجام وتحديد الأوزان الإقليمية في ضوء اتضاح الصور الآتية:

1- توزيع السلطة في العراق وما سترسو عليه المواجهة بين المالكي المدعوم من إيران من جهة وخصومه من جهة مقابلة.

2- اتضاح مدى جدية الكلام الغربي الجديد عن وجوب دعم المعارضة المعتدلة في سورية، وما إذا كان هذا الكلام القديم – المتجدد سيجد هذه المرة صيغة تنفيذية على أرض الواقع تسمح للمعارضة باستعادة زمام المبادرة.

3- إعادة إنتاج موازين جديدة للقوى في الداخل الفلسطيني، لاسيما بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس.

4- حسم ملف رئاسة الجمهورية في لبنان من خلال المواصفات الشخصية التي ستتولى هذا المنصب، وبالتالي إعادة إنتاج السلطة من خلال انتخابات نيابية جديدة تنهي ولاية المجلس النيابي الممدد له والمرشح لتمديد جديد.