تذكرت وسائل الإعلام العراقية مطلع الأسبوع الجاري، أن 100 يوم بالتمام والكمال، مرت على اندلاع معارك الأنبار بين الجيش وخليط غير واضح من مسلحي القبائل وتنظيمات القاعدة، لكن لا أحد كان لديه جديد ليضيفه بهذه المناسبة، لأن الحكومة التي تحتكر المعلومات الميدانية ولا تسمح للصحافة بدخول الأنبار، هي نفسها تلتزم الصمت ويعوزها جديد صالح للعرض والنشر، لكن مساء الأحد الماضي، شهد تطوراً لايزال يلفه الغموض، وفتح ملفات الحرب للأسبوعين الماضيين، على "حرب السدود الإروائية" في الأنبار.

Ad

وفي الحقيقة فإن الأيام المئة للمعارك، أفرغت مخازن الجيش من الذخيرة أو كادت، كما أفرغت جيوب النازحين من المال، واضطرتهم إلى العودة إلى مدن محاطة بالخطر، بسبب نفاد مدخراتهم وعجزهم عن تسديد إيجارات الفنادق في إقليم كردستان. لكن الحاجة السياسية إلى مزيد من التصعيد، لم تنفد بعد، فالمكتب العسكري لرئيس الحكومة نوري المالكي، أصدر بياناً مفاجئاً تحدث عن استيلاء المسلحين على سد إروائي في الفلوجة (40 كم غرب بغداد) وقطع مياه الفرات "بالكامل" عن المحافظات الجنوبية ذات الغالبية الشيعية.

 وتصدرت لغة "التعبئة" شاشة التلفزيون الحكومي، مكرسة شريط الأخبار لتصريحات النواب المدافعين عن سياسة المالكي، والذين حرصوا على خلط المأزق العسكري والسياسي، بتاريخ الثورة الحسينية، قائلين إن داعش "تريد أن يموت الحسين عطشان مرة أخرى" وهي لغة طالما حذر عقلاء شيعة وسنة، من استخدامها، في زيادة الانقسام الدموي بين الطوائف.

وإذا كانت الأنباء دقيقة، فإن هذا يعني سابقة أولى منذ سقوط صدام حسين، الذي تحل غداً الأربعاء الذكرى الحادية عشرة لسقوطه، إذ لم يسبق أن تجرأ مسلحون سنة على قطع المياه عن الجنوب الشيعي، رغم وقوع أخطر مفاصل منظومات الإرواء التي تتحكم بمناسيب المياه، على دجلة والفرات، في مناطق ساخنة لم تهدأ معاركها بين التنظيمات المسلحة السنية والأميركان أو الجيش العراقي.

وبالفعل فقد بدأت جهات فنية تتحدث عن هبوط مناسيب المياه في الجزء الأسفل من الفرات، قائلة إن سداً في الجزء الأوسط من هذا النهر، وعلى شاطئ مدينة الفلوجة، قد أغلق وتسبب في ذلك، وهو ما يمكن أن يتطور خلال الأيام المقبلة إلى "جفاف حقيقي"، لكنهم رجحوا أن يسارع المسلحون الى إعادة فتح السد خشية غرق الفلوجة والمناطق المحيطة بها.

وأعرب خبراء في بغداد عن اعتقادهم بأن "اللعب" بخريطة السدود المعقدة غرب بغداد وجنوبي بحيرة الثرثار الكبرى، ينطوي على خطر عظيم، وتناقلوا أنباء عن قصف الجيش في وقت سابق لناظمين إروائيين حوالي الأنبار، بهدف إغراق مناطق يوجد فيها مسلحون، قائلين إن ذلك هو الذي فتح الباب أمام إغلاق سد الفلوجة، في رد فعل لافت ومفاجئ.

وبعيداً عن حديث الخبراء والمعلومات المتضاربة أحياناً، والتي تشكك في بيانات الحكومة، أو تحذر من تواصل "حرب السدود"، فإن وسائل الإعلام المقربة من رئيس الحكومة، تجهد لاستغلال الأمر بالنحو الأمثل، فتراجع اهتمام الجمهور الشيعي بتفاصيل المعارك، ولد إحباطاً لدى الحزب الحاكم الذي راهن على إثارة حماس هذا الجمهور وتهيئته نفسياً لإعادة انتخاب المالكي في الثلاثين من هذا الشهر، ولذلك تواصل المحطات الفضائية المذكورة منذ ليل الأحد، بث تصريحات متشددة بهذا الشأن، والحديث عن "ضرورة اقتحام الفلوجة" لتجنيب الجنوب العراقي موجة عطش صيفية، وهو ما يتوقع أن يستمر بنحو خطير، حتى يوم الاقتراع، لرفع رصيد رئيس الحكومة القلق جداً من نتائج الانتخابات، بعد أن بدا أن خصومه الشيعة بشكل خاص، أحسنوا تنظيم صفوفهم واستفادوا من أخطاء المالكي في التبشير ببديل "معتدل" يضع حداً لأجواء الحرب بين الطوائف.