ما يصيبني بالضجر هو العبث بالقرب من الحافة... وهو ما يحدث في كل تلك الأحاديث التي تتناول تعديل الأدوات والعتبات (المالية والنقدية) وعرض المزيد والأفضل من التدابير والمعايير المستقبلية.

Ad

في الأيام الخوالي كان لدى مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) الأميركي الأدوات اللازمة لإصلاح الاقتصاد الأميركي وعلاج اعتلالاته... هل معدلات التضخم مرتفعة؟ عليكم بزيادة معدلات الفائدة الرئيسة للأموال المقدمة من مجلس الاحتياطي. هل المشكلة تكمن في الركود؟ عليكم خفض معدلات الفائدة الرئيسية في البلاد.

ثمة أدوات ثانوية تشمل متطلبات معدل الخصم، ومتطلبات الاحتياطييات التي يتعين على المصارف الاحتفاظ بها، وكلاهما يقوم مجلس الاحتياطي الفدرالي بتحديدهما، لكن الحيلة كلها والأداء الفعال عموماً يكمنان في تعديلات معدلات الفائدة الرئيسية على القروض الممنوحة لليلة واحدة.

ومع بلوغ معدل الفائدة الرئيسية على الإقراض الفدرالي مستوى الصفر بشكل فعلي، فقد برهنت تلك الأدوات أنها غير كافية. فقد تحول مجلس الاحتياطي الفدرالي إلى مهمة شراء الأصول على نطاق واسع، وهي عملية مصممة لخفض معدلات الفائدة طويلة الأجل، علاوة على رفع "الإرشاد المستقبلي" إلى مستوى يتيح له العمل كأداة سياسة مالية.

ويتمتع "الإرشاد المستقبلي" بمنطق مشروع، فمعدلات الفائدة على الأجل الطويل، هي عبارة عن مجموع معدلات الفائدة قصيرة الأجل الجارية والمتوقعة في المستقبل، إضافة إلى بند علاوة المخاطر المضافة على معدلات الفائدة. وإذا عرف المستثمرون أن معدلات الفائدة على الأجل القصير ستظل عند مستوى الصفر حتى تاريخ مستقبلي ما أو حتى تحقيق أهداف معينة، فإن المعدلات الطويلة الأجل سوف تستوعب تلك الافتراضات.

وهناك ثمة خلل متأصل أيضاً في المفهوم المنطقي. فمجلس الاحتياطي الفدرالي لا يعلم إذا كان في وسعه الوفاء بوعده، كما أن تنبؤاته اتسمت بتفاؤل مفرط خلال السنوات القليلة الماضية، وكان توقع مجلس الاحتياطي بأن أزمة الرهن العقاري الثانوي يمكن "احتواؤها"، من الأخطاء الفادحة دولياً، خصوصاً بالنسبة الى بنك مركزي يتولى مهام مزدوجة حيث يقوم أيضاً بدور منظم مالي دولي.

العتبات المتحركة

لم يمنع ذلك الأطروحات الأكاديمية من البحث عن شرك أفضل لاصطياد الفأر. فقد حظيت فكرة خفض عتبة الفدرالي لمعدل البطالة البالغ 6.5 في المئة- وهو شرط أساسي للنظر في زيادة معدلات الفائدة الرئيسية- بدعم متجدد من ورقتين بحثيتين قدمتا خلال مؤتمر بحوث صندوق النقد الدولي الذي عقد يومي السابع والثامن من نوفمبر الجاري. ولأن مؤلفي الورقتين من كبار أعضاء مجلس الاحتياطي الفدرالي في واشنطن، فقد أسهم ذلك في إضفاء المزيد من الصدقية، ودفع جان هاتزيوس وهو اقتصادي بارز في مجموعة "غولدمان ساكس" إلى التنبؤ بحدوث خفض لعتبة معدلات البطالة إلى 6 في المئة التي يحددها مجلس الاحتياطي خلال اجتماع شهر ديسمبر المقبل.

وفي إحدى هاتين الورقتين بعنوان "إطار عمل مجلس الاحتياطي الفدرالي للسياسة النقدية- تغيرات حديثة وأسئلة جديدة" التي أعدها وليم إنكلش وديفيد لوبيز-ساليدو وروبرت جي تيتلو، جادل الفريق لمصلحة إصدار "إرشاد مستقبلي مبني على عتبة"ـ ووجد المؤلفون أن "خفض عتبة البطالة يسهم في تحسين الأداء الاقتصادي المحسوب حتى بلوغ عتبة البطالة الـ5.5 في المئة" حسبما جاء في النموذج الذي أشير إليه.

وفي الورقة الأخرى التي أعدها ديفيد ويلكوكس وديف رايفشنايدر ووليم ووشر تم طرح مسألة صياغة "سياسة نقدية عالية التكيف" مقابل الركود الاقتصادي المستمر والتوقعات الجيدة المتعلقة بمعدلات التضخم.

وتكون العتبة جيدة بقدر ما هو عليه مقدار الأجزاء المتحركة فيها. كان رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي بن برنانكي قال في مؤتمره الصحافي في شهر يونيو إن المعلومات الاقتصادية إذا كانت تتوافق مع التنبؤات، فإن تخفيف سياسية التيسير الكمي، أي عمليات شراء الأصول الشهرية، يمكن أن يبدأ "في وقت لاحق من هذه السنة". ووفقاً لهذا السيناريو، فإن نهاية البرنامج سوف تتصادف على الأرجح مع معدل بطالة يصل إلى 7 في المئة.

وعلى الرغم من أن معدل البطالة هبط الى 7.2 في المئة خلال شهر سبتمبر الماضي، فإن مجلس الاحتياطي الفدرالي امتنع عن اتخاذ الخطوة الأولى للتخفيف من سياسة التيسير الكمي. كما أن هبوط المعدل من مستويات الذروة التي بلغت 10 في المئة في سنة 2009 جاء بسبب إسقاط المزيد من الناس من قوة العمل نفسها، وليس بسبب عثورهم على فرص عمل. وفي وسع الاقتصاديين المجادلة حول ما إذا كان السبب هيكلياً أو دورياً، لكن من الواضح أن التحسن في سوق العمل لم يرتقِ إلى مقاييس مجلس الاحتياطي الفدرالي.

يكافح مجلس الاحتياطي الفدرالي، ويتعلق بقشة، من أجل العثور على طرق بديلة لتحفيز النمو الاقتصادي.

خطوات مبدعة

يقول ديفيد بكوورث البروفسور المساعد في كلية الاقتصاد في جامعة ويسترن كنتاكي في باولنغ غرين: "إنهم يسعون بأمل التقدم نحو شيء أكثر إنتاجية، ومن المقلق كونهم يغيرون العتبة مراراً وتكراراً، وتلك هي مشكلة استهداف أشياء متغيرة حقيقية" مثل التوظيف.

ويعمل بكوورث ضمن مجموعة من الاقتصاديين تدعو إلى استهداف مستويات نمو حقيقي للناتج المحلي الإجمالي- وهو يعني نمو ناتج محلي إجمالي إضافة إلى التضخم- ويتمتع هذا القياس بميزة ضمه للتفويض الثنائي لمجلس الاحتياطي الفدرالي: أسعار مستقرة وتوظيف تام. والطريق إلى التوظيف التام يمر عبر النمو القوي في الناتج المحلي الإجمالي. واذا أراد مجلس الاحتياطي الفدرالي أن تعمل "العتبات" و"الإرشادات المستقبلية" على شكل محفز للسياسة، فيتعين عليه عدم الاستمرار في تغييرهما.

في الوقت الراهن، أصبح لدينا حزمة واسعة من المقترحات المطروحة على الطاولة: خفض عتبة البطالة، واستهداف معدلات التضخم المرتفعة، وإعداد أرضية لمستويات التضخم، وتحديد حجم أو تاريخ محدد لبرنامج شراء السندات الراهن المفتوح دون نهاية، وخفض معدلات الفائدة التي يدفعها مجلس الاحتياطي الفدرالي للبنوك على الاحتياطيات الزائدة التي تودعها فيه، وإنشاء "علامات إرشادية" جديدة، مثل الربط بين خفض المشتريات الشهرية بالنقص في معدلات البطالة... وربما كانت هناك مقترحات أخرى كثيرة لم نسمع عنها (لم يقترح أحد حتى الآن الربط بين خفض "التيسير الكمي" وحدوث زيادة بنسبة معينة في سوق الأوراق المالية).

ويقول بكوورث: "يبدو وكأنهم يرفعون الحد أثناء سيرهم بسرعة على الطريق"- وهذا صحيح.

لنواجه الواقع: مجلس الاحتياطي الفدرالي لم ينجح في استهداف أي شيء ماعدا معدلات الفائدة الرئيسية على الإقراض. هل تذكرون مستويات المعروض النقدي التي كان يطيح بها المجلس أثناء سيره على الطريق وكأنها أقماع المرور على الطرقات والتي كان يتعين علينا إعادة وضعها كل سنة؟

كما أن معدلات التضخم بقيت أقل من المعدل الذي يستهدفه مجلس الاحتياطي الفدرالي (2 في المئة) طوال 19 شهراً ومع ذلك لم يرد، أو لم يتمكن من رفعه أو تحريكه قيد أنملة.

لاشك أن "العتبة المتحركة" تشبه هدفاً متحركاً ومن ثم فإن فرص إصابة الهدف فيها تكون ضئيلة للغاية - لكن حتى السنجاب الأعمى قد يصادفه الحظ ذات مرة.

Caroline Baum

* مؤلفة كتاب "ما قلته بالتحديد" وكاتبة في خدمة "بلومبيرغ"