النموذج التركي لا يتميز سياسياً عن أي نموذج علماني أو ملكي سوى بالغطاء الخارجي والشعار الرسمي الذي ألبس الثوب الديني، لكن الشعوب المغلوب على أمرها هي التائهة وراء هذه الشعارات، وقد تصل إلى الاقتتال من أجل هذا الزعيم أو ذاك، ولكن الموقف المضحك هو لهث بعض المثقفين والسياسيين خلف هذا المشهد، وإن كان على حساب مبادئهم وعقولهم!

Ad

نتائج الانتخابات التركية عكست حقيقة الاستقطابات السياسية في العالم العربي وصراع التيارات السياسية والدينية تحديداً التي بلغت ذورتها في الكثير من المجتمعات، وبرعاية حكومات متنافسة سواء في الخليج أو بلاد الشام أو مصر وشمال إفريقيا، وعلى الرغم من أن الحدث الانتخابي جرى في تركيا وكان على مستوى البلديات المحلية فإن أصداءها كانت واسعة.

فوز حزب العدالة بزعامة أردوغان اعتبره الإخوان المسلمون انتصاراً ومتنفساً لهم في كل أرجاء العالم العربي، فغصت منتديات التواصل الاجتماعي بتعليقات البهجة والفرح وصولاً إلى حد النشوة السياسية ترجمها مؤيدو أردوغان كشعار للفوز الساحق، ورد عليهم الزعيم التركي التحية برسالة مباشرة بأن فوزه "لطمة عثمانية" لخصومه، والبعد العثماني بالتأكيد هو إحياء لنموذج الخلافة التركية وسيطرتها على عموم الدول العربية.

لكن إذا جردنا الغطاء الإسلامي عن حزب العدالة وبنظرة سياسية موضوعية نجد أن حكومة أردوغان لا تختلف عن الأحزاب الحاكمة والسلطات المالكة في الدول العربية، فبأوامر شخصية ضيّق أردوغان الحريات العامة ومنع خدمة التويتر واليوتيوب وقمع المتظاهرين بالرصاص الحي كما فعل حسني مبارك وبن علي والقذافي والنظام السوري وبعض حكومات الخليج، ومع ذلك يصفق له بعض المثقفين والسياسيين كرمز إسلامي بل كخليفة مرتقب للمسلمين!

وفي جانب الفساد المالي لم يسلم وزراء أردوغان حتى أبناؤه من فضائح نهب الأموال العامة ورشوة الجهاز الأمني تماماً كما هي حال أبناء صدام حسين وحسني مبارك والقذافي وأبناء الأمراء وبعض النواب الكويتيين، ولكن عند البعض لا يجوز الحديث عن التجربة التركية وفسادها لأن حكامها من التيار الإسلامي!

موقف الحكومة التركية من الكيان الصهيوني وتبادل السفارات مع العدو الأول للعرب والمسلمين والقاتل لشعب أعزل، وإبرام اتفاقيات التعاون الاقتصادي والعسكري معه، أكبر وصمة عار في جبين أمتنا، فأين الفرق بينها وبين مصر والأردن ومحمود عباس وبعض دول الخليج التي اتهمت بالعمالة والصهيونية عندما فتحت مكاتب تجارية لليهود في بلادها؟!

الحكم الإسلامي التركي شرّع مظاهر الفساد الأخلاقي كشرب الخمر وفتح البارات والمراقص وكازينوهات القمار واعتبرها حريات فردية، بينما يدعم ومؤيديه من العرب الجماعات الإسلامية المتشددة بالمال والسلاح والبشر لإقامة حكم الله في قرى معدمة في أفغانستان وسورية وليبيا، حيث تقطع الأيدي وتحز الرؤوس وتجلد النساء! ويتم التحريض على أنظمة عربية وخليجية لأنها لا تتبع الشرع المقدس!

فالنموذج التركي لا يتميز سياسياً عن أي نموذج علماني أو ملكي سوى بالغطاء الخارجي والشعار الرسمي الذي ألبس الثوب الديني، لكن الشعوب المغلوب على أمرها هي التائهة وراء هذه الشعارات، وقد تصل إلى الاقتتال من أجل هذا الزعيم أو ذاك، ولكن الموقف المضحك هو لهث بعض المثقفين والسياسيين خلف هذا المشهد، وإن كان على حساب مبادئهم وعقولهم!