لقد حولتني مهنتي كرجل أعمال في إفريقيا إلى ناشط مُطالِب بحكم أفضل وأنظف وسيادة القانون، ولكن تعزيز الحكم الرشيد لا يقتصر على تشجيع الزعامة الجيدة على قمة السلطة (وإن كنت أعتقد أن هذا مفيد بالقطع)؛ فالأمر يتطلب أيضاً أن نكون جميعاً قادرين على الوفاء بمسؤولياتنا كمواطنين وإدراك حقوقنا.

Ad

في العديد من بلدان إفريقيا، هناك أدوات قانونية تستحق الإعجاب في مجال أنظمة المحاكم المستقلة؛ ولكن التحدي يشمل التنفيذ المحايد للقانون، وتتطلب المساءلة الديمقراطية أن نكون قادرين على استخدام القانون، فضلاً عن الخضوع له. على سبيل المثال، تتمتع هذه البلدان بقوانين تحظر مصادرة الأراضي من دون مراعاة الأصول القانونية وتعويض المالك؛ وهذا من شأنه أن يمنع موظفي الخدمة المدنية من قبول الرشاوى؛ ويستلزم هذا أيضاً إنفاق أموال الحكومة على المصلحة العامة وليس لتحقيق مكاسب شخصية.

في البلدان التي تعتبر طيبة الأداء حالياً وفقاً لدليل إبراهيم للحكم الإفريقي- بتسوانا وغانا وجنوب إفريقيا وغيرها- يستطيع المواطنون استخدام القانون لحماية أنفسهم وأملاكهم من التعديات غير المشروعة، وحل نزاعاتهم في أجواء نزيهة محايدة. وفي البلدان التي تحتل المؤخرة وفقاً للدليل- الصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى- أصبحت سيادة القانون خيالاً لابد أن يتحول إلى حقيقة.

وبالفعل، يجري العمل على الأرض لتحقيق هذه الغاية في بعض الأماكن: ففي سيراليون، البلد الذي يتعافى الآن من حرب أهلية وحشية، يعمل مساعدون قانونيون ينتمون إلى المجتمع المدني على مساعدة القرويين في تسوية نزاعاتهم سلمياً؛ وفي ملاوي، يساعدون في الحد من حالات السجن غير الضرورية. وفي موزمبيق، ساعد خبراء قانونيون محليون القرويين في استخراج سندات الملكية السليمة لأراضيهم، وهذا من شأنه أن يعينهم على تأمين مستقبلهم الاقتصادي، وفي كينيا استخدمت جماعات المجتمع المدني قوانين حرية تداول المعلومات لضمان توزيع الأموال المخصصة لبناء المدارس المحلية على النحو الصحيح.

هذه هي سيادة القانون تثبت فعاليتها على المستوى المحلي، وهي تبدأ، غالباً من الصفر، من بناء الثقافة التي تيسر تسوية النزاعات سلمياً وتضمن توزيع الفوائد بشفافية. أما البديل- اللجوء إلى العنف في مواجهة عدم المساواة في الحصول على الموارد- فقد أدى إلى دوامة من عدم الاستقرار السياسي في العديد من البلدان، وما يترتب على ذلك من افتقار إلى التنمية الاقتصادية الذي أصبح السمة المميزة لقسم كبير من تاريخ إفريقيا الحديث.وفي حين تدور المناقشات والحوارات حول أهداف التنمية المستدامة لما بعد عام 2015 في الأمم المتحدة هذا العام، فَكُلِّي أمل أن تصدق الحكومات الإفريقية على إدراج هدف القدرة على الوصول إلى العدالة إلى هذه الأهداف. من المؤكد أن الموضوع المهيمن الذي بدأ ينشأ في مناقشات الأمم المتحدة- الوظائف والنمو الاقتصادي وتنمية البنية الأساسية والحد من الفقر- لا يزال مطلوباً بشدة في مختلف أنحاء القارة، لكن سيادة القانون مبدأ أساسي يرسخ لما هو أكثر من مجرد تشجيع النمو الاقتصادي، ومن الخطأ الفادح عدم إدراجه في أجندة أهداف التنمية المستدامة.

الواقع أن الإقرار بأن الجميع لابد أن يكونوا متساوين في نظر القانون وممارساته يُعَد شرطاً أساسياً لتعزيز العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين. ومن دون التحلي بقدر أعظم من الإخلاص لسيادة القانون فإن العديد من المواطنين الأفارقة سوف يستمرون في رؤية مستقبلهم مبتلى بآفة الفساد وموارد أوطانهم مهدرة.

وإذا كان لنا أن نبني الاحترام الشعبي للمؤسسات والعمليات التي تشكل الديمقراطية، فيتعين على الدولة أن تتعامل مع مواطنيها كمواطنين حقيقيين وليس باعتبارهم رعايا. ومن غير الممكن أن نتوقع الولاء لنظام ظالم، لذا ينبغي للدولة ونخبها أن تكون خاضعة، في النظرية والممارسة، لنفس القوانين التي يخضع لها أفقر مواطنيها.

* مؤسس ورئيس "مؤسسة مو إبراهيم".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»