مهرجانٌ تآمري لا ضرورة لحضوره
حتى إن انعقد مؤتمر جنيف الثاني في موعده المعلن في الثاني والعشرين من الشهر المقبل بحضور ثلاثين دولة، وأغلب الظن أنه لن ينعقد، فإنه لن يحقق أيَّ إنجاز فعلي لإنهاء الحرب الجنونية التي يشنها بشار الأسد على الشعب السوري، ومعه بالطبع إيران بأموالها وحرسها الثوري وميليشياتها الطائفية، وروسيا وكل إمكاناتها كدولة عظمى، وأنه، أي هذا المؤتمر، لن يكون، إنْ انْعقد، إلا مسرحاً تآمرياً للعبة هزلية كونية من المفترض ألا يشارك فيها العرب الذين انحازوا إلى المظلومين ضد الظالمين منذ البدايات.ولعل ما يدلُّ على نوايا الروس، الذين سيكونون اللاعب الرئيسي في هذا المهرجان الدولي، أنَّ وزير خارجيتهم سيرغي لافروف، وهو الذي قاد المعركة السياسية ضد الشعب السوري والمعارضة السورية منذ اليوم الأول، قد تحدث في آخر تصريح له بهذا الصدد، عن أنَّ مواجهة "الإرهاب"! ستكون نقطة رئيسية على جدول أعمال هذا المؤتمر، وهو نفسه كان قد قال في تصريح سابق إنَّ الهدف ليس إسقاط نظام بشار الأسد بل القضاء على المجموعات الإرهابية، ما يعني أنَّ "جنيف 2"، هذا إذا بقيت الولايات المتحدة ومعها مجموعة الاتحاد الأوروبي باستثناء فرنسا مترددة ومصابة بالإعياء السياسي وتلهث خلف ألاعيب الروس ومناوراتهم، سيكون مهزلة هذا القرن الذي تشير كل التقديرات المبنية على ما نراه ونسمعه إلى أنه سيكون أسوأ من القرن العشرين الذي شهد أقذر لعبة أُمَمٍ ضد الأمة العربية.
ولهذا، إذا انعقد مؤتمر "جنيف 2" بحضور ثلاثين دولة فإنه لن يكون إلا مهرجان ضحك على الذقون، وتلاعب على المعارضة السورية وحلفائها وهُمْ أقلية على أيِّ حال، فـ"الجنرال" لافروف الذي تتلمذ على يد رئيس جهاز الـ"كي جي بي" الرهيب لافرينتي بيريا سيكون بطل هذا المسرح وبطل هذه المسرحية، وسيكون الضحية هذا الشعب السوري المسكين ومعارضته التي تحولت إلى ثورة مغدورة بعدما تخلَّى عنها الأميركيون والأوروبيون، باستثناء فرنسا، وستكون أغلبية الدول التي ستشارك في مؤتمر الثاني والعشرين من الشهر المقبل مجرد شهود زور في محكمة دولية منحازة سلفاً إلى جانب الظالم ضد المظلوم! والسؤال هنا هو: لماذا سيذهب إلى هذا المؤتمر، يا تُرى، بقايا ما تبقى من المؤيدين للشعب السوري ومعارضته التي غَدَتْ بمنزلة ثورة مغدورة إذا كان بدون جدول أعمالٍ واضح ومحدد، وإذا كان بطله هو سيرغي لافروف، وإذا كان الأوروبيون ومعهم عربٌ لا ضرورة لحضورهم سيكونون بمنزلة شهود زور لا يقدِّمون ولا يؤخرون ومجرد "بصِّيمة" على مؤامرة ستكون، إنْ هي تمَّت فعلاً، مؤامرة الألفية الثالثة والقرن الحادي والعشرين..؟!منذ الآن... ولتحاشي كل هذه التوقعات وكل هذه التقديرات السوداوية، يجب أن تكون النقطة الرئيسية على جدول أعمال هذا المؤتمر أنَّه لم تعُد هناك أيُّ إمكانية لوجود بشار الأسد وعائلته ونظامه بالنسبة لمستقبل سورية، وأنه لابد من تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية بصلاحيات كاملة، وقبل هذا، يجب أن يتم قبل الثاني والعشرين من الشهر المقبل انسحاب القوات والميليشيات المذهبية الإيرانية وأولها "حزب الله" من هذا البلد، الذي حوَّله حاكمه إلى ساحة صراع إقليمي ودولي، كما يجب أن يُجبَر هذا النظام، منذ الآن أيضاً، على وقفٍ شامل لإطلاق النار مع إطلاق سراح كل المعتقلين... وإلا ما معنى أنْ "يُقام" هذا المهرجان الكوني ويحضره الإيرانيون بينما حراس ثورتهم وميليشياتهم الطائفية يواصلون ذبح الشعب السوري ويستكملون تدمير ما لم يُدمَّر من سورية؟!لقد تقصَّد الروس ومعهم الإيرانيون وأيضاً نظام بشار الأسد القيام بكل هذه الهجمة المسعورة على الجيش الحر وعلى المعارضة السورية عشية انعقاد "جنيف 2" بهدف إظهار أنه لم يعُدْ هناك أي وجود لهذا الجيش ولا لهذه المعارضة، وأن الموجود هو مجموعات إرهابية وشراذم من القتلة وسفاكي الدماء!... والغريب أنَّ الأميركيين ومعهم أغلبية الأوروبيين وبعض العرب أصبحوا منساقين إلى هذا المنطق التآمري الكاذب بهدف الإبقاء على هذا النظام، الذي لا يوجد أكثر منه إرهاباً، بعدما دمَّر سورية كل هذا التدمير وقتل وشرَّد من شعبها كل هذه الأرقام الفلكية!