ليلة القبض على ريبيكا!
الأوساط السياسية والإعلامية البريطانية منشغلة هذه الأيام بمحاكمة ريبيكا بروكس، والتي كانت حتى فترة قريبة تعد إحدى أقوى الشخصيات نفوذاً. كانت ريبيكا رئيسة تحرير صحيفتي "الصن" و"نيوز أوف ذ وورلد "، اللتين يمتلكهما "التايكون" روبرت مردوخ، المصنف رقم 33 من الشخصيات الأكثر نفوذاً على مستوى العالم حسب "فوربس". ريبيكا صعدت سلالم النفوذ بسرعة فائقة لكي تصبح المديرة التنفيذية لشركة "نيوز إنترناشيونال" المالكة لجزء من إمبراطورية مردوخ الإعلامية. الصحيفتان ترتكزان على الشائعات والإثارة، الكثير الكثير من الإثارة، بما يعرف باسم "تابلويد"، ومع ذلك فقد تجاوزتا الحدود المقبولة في طريقة حصولهما على الأخبار، حيث دخلتا، وبالذات "نيوز أوف ذ وورلد"، مجالاً إجرامياً من خلال تنصتها على هواتف الناس، وإعاقة العدالة، ورشوة الموظفين العامين، والمقصود هنا الشرطة، في سبيل الحصول على المعلومة. عندما ظهرت النوازع الإجرامية للصحيفة عام 2007، تم" تلبيسها" للتحري الخاص جلين ملكير والمحرر كلايف غودمان، حيث تم سجنهما، بينما لم تُمسّ ريبيكا ومجموعتها بأي أذى، على أساس أنها تصرفات فردية، إلا أن الشعور بالقوة جعلها تتمادى، مما أعاد فتح الملف مرة أخرى، ولكن هذه المرة بمحاكمة ريبيكا و"شلتها" القوية المتغلغلة في مواقع المال والنفوذ والسلطة حتى "داوننغ ستريت" مقر رئيس الوزراء. المحاكمة مستمرة وتداعيات الفضيحة دفعت مردوخ إلى إغلاق الصحيفة نهائياً بعد استمرارية صدور زادت على مئة عام.
جريمة من هذا النوع وضعت التداخل والتشابك بين الإعلام ورجال النفوذ والسياسة على المحك، وبالذات في ما يفترض أن يكون بلداً ديمقراطياً، كما أنها أثارت نقاشاً حاداً حول حرية التعبير ومداها، وقد تؤدي إلى مزيد من القيود، كما فتحت الباب مجدداً على حجم الفساد واستشرائه في المؤسسة الإعلامية. فأين نحن وما يجري في منطقتنا بين الإعلام والمجتمع، ومدى مسؤوليته في تعزيز مصداقيته ومهنيته؟! وما هو أسلوب تعاملنا مع مثل هذه التصرفات في حال حدوثها عندنا؟ فمع كل النقد للنظام الإعلامي في بريطانيا، إلا أنه في نهاية الأمر تتم محاكمة شخصيات نافذة متهمة بارتكاب جرائم ذات بعد إعلامي، أما نحن فلا حول ولا قوة إلا بالله.