يواجه الكاتب والفنان تحديين صعبين في عصرنا الحالي؛ الأول السلطة والثاني الجمهور. السلطة لا يعجبها أن يخرج هؤلاء عن مساحة الحركة التي تريدها لمجتمع "رعاياها"، وبمقدار الابتعاد عن السياق المرسوم يكون الضغط والعقاب والتنكيل للمبعدين والمخالفين. هناك من يكون جزاؤه التجاهل والحرمان من كل شيء، حتى من اهتمام الإعلام، فالإعلام في بلداننا تتحكم فيه أو تملكه السلطة في الغالب، وهناك من يكون جزاؤه أبعد وأقسى من ذلك على درجات قد تصل إلى الزج في السجون أو النفي.
الكاتب والفنان لا يرهبهما هذا التحدي، وهو تحدٍ صعب وثقيل يحتاج لطبيعته إلى حكمة في التعامل معه ومواجهته. الكاتب والفنان يظلان صامدين مؤمنين بقضاياهما مخلصين لها دائماً، لا يديران وجهيهما عن الحق، يدافعان عنه ويشيران إليه، ويوجهان المجتمع نحوه، لا يهمهما من خالفهما، ولا يشغلهما أمر أولئك "الكتاب والفنانين" الذين قرروا أن يركبوا قاطرة السلطة، وصاروا يتزلفون لها ويمجدونها ليل نهار طمعاً في ما عندها.لا أفهم أن يمدح الكاتب أو الفنان السلطة، حتى لو كانت سلطة ديمقراطية جاءت عبر صناديق الاقتراع النزيهة، لأنه لا مبرر لمدح أي سلطة، فدور السلطة ووظيفتها وواجبها أن تدير أمور البلاد وشؤون العباد على أكمل وجه.دور الكاتب والفنان تجاه السلطة يتمثل دائماً وأبداً في أن يشيرا إلى مواطن خللها وتقصيرها وسوئها، وأما ما سوى ذلك فدورهما يقتصر على التوثيق، إن كان لذلك مجال أو أهمية وقيمة، وأما أجرها فعلى الله أولاً، ومن خلال صناديق الاقتراع في المرات القادمة. فما بالك إن كانت السلطة غير ديمقراطية منتخبة، ولا تؤمن إلا برأيها، ولا تسمع إلا صوتها، وتغرق في الفساد حتى أذنيها. أقول ذلك وأصر عليه اليوم على ما فيه، وإن كنت قد فعلته سابقاً فهذا من أخطائي، وما أكثرها، أسأل الله السلامة، وأعتذر عنه وأتبرأ منه.كل سلطة هيمنت على الأمر وراثياً هي سلطة معتلة سقيمة حتى لو أحسنت الحكم والإدارة، فتجاهل حق الناس في اختيار من يحكمهم ويقودهم، لأي سبب من الأسباب، سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات، وكل سلطة تقوم على هذا، وتتجاهله وتصر عليه، مصيرها إلى الضعف والتفكك طال الزمان أو قصر، والكتاب والفنانون الراكبون في قاطرة مدح السلطة والتزلف لها، على أي شاكلة كانت، مصيرهم أن يلعنهم الناس والتاريخ، ولو بعد حين. الكاتب أو الفنان الذي لا يسعه أن ينتقد سلطة بلاده لسبب من الأسباب، فليسعه الصمت في هذا الصدد.التحدي الثاني الذي يواجهه الكاتب والفنان هو الجمهور. للجمهور في الغالب ذوق سائد يحكم السوق، والكاتب والفنان اللذان يستجيبان لهذا الذوق السائد فيقدمان أعمالهما وفقاً له سينتهيان إلى أن يكونا نسخاً مكررة مما هو منتشر وسائد من الكُتَّاب والفنانين، وسيخسرا نفسيهما بخسارتهما لأصالتهما. الكاتب أو الفنان يجب ألا يقدم إبداعه إلا من خلال اشتعالات نفسه ورؤاه وتجلياته، فيضمن بذلك الانفراد والتميز، وأما من يستجيب لحركة "سوق الكتب والفن" فهو بائع وليس كاتباً أو فناناً.هذان التحديان يمثلان الامتحان الأهم في قناعتي لكل كاتب وفنان، وقليل من الكتاب والفنانين من ينجح فيه.
مقالات
المثقف والسلطة والجمهور!
24-11-2013