اقتربت المعارك أمس من بغداد، في وقت تواصلت المواجهات العنيفة في محافظات صلاح الدين والأنبار وديالى، التي يسيطر المسلحون الجهاديون على أجزاء كبيرة منها. ودخلت السعودية أمس بقوة على خط الأحداث، واصفة ما يجري بأنه نتيجة سياسات الإقصاء الطائفية التي اتبعت، بينما أبدت واشنطن استعدادها للتعاون مع إيران لمكافحة الإرهاب، وأرسلت سفينة جديدة إلى الخليج على متنها 550 من جنود المارينز.

Ad

شهد العراق أمس معارك عنيفة في عدة مناطق، وتصاعد التوتر في العاصمة مع اقتراب المسلحين منها، حيث شهد الحزام الشمالي لبغداد أمس معارك عنيفة بين الجيش العراقي من جهة ومسلحين ينتمون الى تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، والى فصائل جهادية ومعارضة أخرى منها "الجيش الإسلامي"، و"أنصار السنة" ومسلحين تابعين للعشائر، وآخرون تابعون لحزب "البعث" المنحل.  

ونفى المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد العميد سعد معن الأنباء التي تحدثت عن مهاجمة مطار بغداد، مؤكداً أن حركة الطيران في المطار طبيعية، لكنه أعلن في المقابل مقتل 56 مسلحاً في عمليات استباقية بمناطق مختلفة من العاصمة وفي الحزام المحيط بها، ما يعني أن المعارك باتت تقترب أكثر فأكثر من العاصمة.

وأعلن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة الفريق قاسم عطا أمس مقتل 315 "إرهابياً" في اشتباكات في محافظات الأنبار وديالى وصلاح الدين، التي سيطر على اجزاء كبيرة منها المسلحون.

اشتباكات تلعفر

إلى ذلك، شهد قضاء تلعفر المحاذي للحدود مع سورية في محافظة نينوى معارك طاحنة بين المسلحين والجيش، وتمكن المسلحون من السيطرة على أجزاء من هذه المنطقة الاستراتيجية التي تصل سورية بالعراق.

وأفاد سكان محليون بأن مدينة تلعفر سقطت في يد المسلحين، مضيفين أن "المتشددين اجتاحوا المدينة، حيث وقع قتال عنيف وقتل كثيرون، ففرت العائلات الشيعية إلى الغرب والعائلات السنية إلى الشرق".

في المقابل، أكد الجيش العراقي أنه "صد هجوماً على المدينة، وأرسل تعزيزات إليها، وكبّد العدو خسائر جسيمة، ولم يستطيعوا السيطرة على شبر واحد من تلعفر".

وقال قائممقام تلعفر عبدالعال عباس أمس، إن "هناك 200 ألف نازح والاشتباكات مستمرة داخل تلعفر، ولدينا شهداء وجرحى وفوضى ونزوح".

سفارات

ودفعت التطورات الأمنية المتسارعة في العراق واشنطن الى الإعلان عن إرسال تعزيزات أمنية الى محيط سفارتها في بغداد ونقل موظفين إلى مواقع أخرى، في وقت تحدث تقارير صحافية عن قيام عدة سفارات غربية بسحب بعض العاملين فيها، وتعزيز الإجراءات الأمنية في محيط سفاراتها.

توتر مذهبي

ومع استمرار تدفق آلاف العراقيين، خصوصا الشيعة الى التطوع مدفوعين بالفتوى التي اطلقها المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، وتزايد فوضى السلاح بشكل ملحوظ في العاصمة العراقية وحزامها الذي سقط بيد الميليشيات الشيعية والسنية، شن مفتي الديار العراقية رافع الرفاعي هجوماً على السيستاني، معتبراً أن الفتوى التي دعا فيها الى القتال وحماية المقدسات هي "دعوة طائفية"، مطالباً إياه بالتراجع عنها.

 وهاجم الرفاعي المالكي ووصفه بأنه "موظف صغير بيد الإدارة الإيرانية"، ووصف المسلحين الذين سيطروا على مناطق واسعة شمال ووسط البلاد بأنهم "قرة أعيننا وخيرة شبابنا وانهم خلصوا تلك المناطق من الميليشيات المدربة في إيران".

الموقف الأميركي

وأعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس، أنه منفتح على تعاون محتمل بين واشنطن وطهران حول العراق، مشيراً إلى أن توجيه ضربات من طائرات بدون طيار قد يكون أحد الخيارات لوقف تقدم المسلحين.

وقال كيري رداً على سؤال حول احتمال تعاون الولايات المتحدة عسكرياً مع إيران "لا أستبعد أي شيء يمكن أن يكون بناء"، مضيفا أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يدرس "كل الخيارات مطروحة بإمعان" بما يشمل استخدام الطائرات بدون طيار. وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني أبدى قبل أيام استعداد بلاده للتعاون مع واشنطن لمكافحة الإرهاب.

وأكد كيري أن "متشددي الدولة الإسلامية في العراق والشام عازمون على إلحاق الأذى لا في العراق وسورية فحسب، انما في أميركا وأوروبا"، مضيفاً أنه على "حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي التواصل بشكل أفضل مع كل الطوائف".

مفاوضات فيينا

وكان مسؤول أميركي أعلن في وقت سابق أمس في فيينا ان طهران وواشنطن قد تجريان محادثات حول العراق على هامش المفاوضات النووية في العاصمة النمساوية. والمباحثات حول النووي التي تقودها عادة في الجانب الأميركي المسؤولة الثالثة في الخارجية الاميركية ويندي شرمان، يتولاها هذه المرة في فيينا مساعد وزير الخارجية الاميركي وليام بيرنز. وكان بيرنز قاد مفاوضات سرية في 2011 و2012 في سلطنة عمان بين الولايات المتحدة وايران سمحت بفتح المباحثات بين طهران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا).

سفينة أميركية جديدة

وفي السياق، قالت قناة "سي.إن.إن" التلفزيونية إن سفينة النقل البرمائية "ميسا فيردي" الأميركية الحربية دخلت أمس مياه الخليج وعلى متنها 550 من مشاة البحرية، لدعم أي نشاط أميركي عسكري محتمل في العراق. وانضمت هذه السفينة إلى حاملة الطائرات "جورج إتش. دبليو. بوش" التي أمرت وزارة الدفاع الأميركية السبت الماضي بأن تتحرك إلى الخليج.

الموقف السعودي

في غضون ذلك، برز أمس موقف سعودي لافت، حيث طالبت السعودية أمس، بـ"الإسراع" في تشكيل حكومة وفاق وطني في العراق تعمل على إعادة الأمن والاستقرار، منددة بسياسة "الإقصاء" و"الطائفية".

وأفاد مصدر رسمي بأن مجلس الوزراء السعودي طالب بـ"تجنب السياسات القائمة على التأجيج المذهبي والطائفية التي مورست في العراق".

كما عبر المجلس عن "القلق البالغ لتطورات الأحداث في العراق التي ما كانت لتقوم لولا السياسات الطائفية والإقصائية"، مؤكداً "رفض التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية، وضرورة احترام سيادة العراق والحفاظ على وحدة أراضيه".

ودعا إلى اتخاذ الإجراءات التي "تكفل المشاركة الحقيقية لجميع مكونات الشعب والمساواة بينها في تولي السلطات والمسؤوليات في تسيير شؤون الدولة، وإجراء الإصلاحات السياسية والدستورية اللازمة".

ويعقد وزراء خارجية دول الجامعة العربية اجتماعاً غداً الأربعاء وبعد غد في جدة، لمناقشة "الخطوات المطلوب اتخاذها" في مواجهة "الأوضاع الخطيرة" في العراق.

قطر

وفي الدوحة، حمل وزير الخارجية القطري خالد العطية مساء أمس الأول، حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مسؤولية الهجوم المباغت الذي شنّه مسلحو "داعش" على مدن عراقية والذي يهدد بتقطيع أوصال العراق. ورأى العطية أن الهجمات تأتي "نتيجة عوامل سلبية تراكمت على مدى سنوات، مضيفا أن بغداد عمدت إلى "انتهاج السياسات الفئوية الضيقة واعتماد التهميش والإقصاء كما تجاهلت الاعتصامات السلمية وتفريقها بالقوة".

عمان

ودعا وزير الخارجية الأردني ناصر جودة أمس، الى "عملية سياسية شاملة" في العراق "موازية للتوجه الأمني". وقال جودة في جلسة مغلقة لمجلس النواب "من باب النصح للعراق يجب أن تكون هناك عملية سياسية شاملة لكل مكونات المجتمع العراقي موازية للتوجه الأمني، الأمر الذي يتطلب الكثير من الجهد"، مؤكداً قلق بلاده الكبير على "أمن واستقرار العراق".

وأشار إلى أن "ما يحدث في العراق من تطورات ليس ببعيد عما يحدث في سورية"، مستبعداً "تدفق لاجئين عراقيين للمملكة، لأنهم يتوجهون إلى شمال العراق".

واعتبر جودة أن "من يقول انه يعلم ما يجري في العراق بكل تفاصيله يقدم معلومات خاطئة"، مشيرا إلى أن "المشهد لايزال ضبابيا، ونحن لدينا بعض المعلومات ولا استطيع أن اتحدث بها علنا". وأضاف أن "المناطق التى احتلتها داعش شاهدنا فيها عنفاً عشوائيا وإعدامات بشعة جداً وتطرفاً طالما حذر منه جلالة الملك عبدالله منذ أكثر من سنتين، وقلنا إنه عندما يحدث صراع مذهبي وطائفي يكون أرضا خصبة للتطرف والإرهاب".

(بغداد ـ أ ف ب، د ب أ، رويترز، كونا)

«داعش» يحرق كنائس في الموصل

نقلت قناة "العراقية" الرسمية عن بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق تأكيدها أمس، ان تنظيم "داعش" أقدم على إحراق عدة كنائس في الموصل وقام بترويع الأهالي، وقام باغتصاب خمس فتيات في الساحل الأيسر من المدينة.

المالكي للمتطوعين: مهمتكم تشكيل الجيش

قال رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي مساء أمس الأول في كلمة ألقاها على مجموعة من المتطوعين للقتال ضد المسلحين في قضاء المحمودية جنوبي بغداد، مخاطيا المتطوعين: "مهمتكم لا تنتهي بتطهير العراق من عصابات داعش والسياسيين الداعشيين، وإنما مهمتكم تشكيل الجيش العراقي".

وأشار المالكي الى أن "سياسيين فاشلين في الداخل وقفوا مع داعش فضلاً عن بعض الدول"، مخاطباً أولئك السياسيين بالقول: "إن قاتلتمونا بالغدرة والمرتزقة فسنقاتلكم بالأحرار والشرفاء... هذه رسالتنا لكم"، وأضاف أن "الموصل لم تسقط، من سقطوا هم السياسيون الذين راهنوا ضد العراق،" مشيرا إلى أن "واجب القادة العسكريين هو السير وقتال داعش، وسنقاتل حتى نمحو هذه الصفحة السوداء من تاريخنا".

وتابع قائلا: "سنسير إلى كل إنش بكل أسلحتنا وبكل قدرتنا وإيماننا لكي نتمكن من تحرير وتطهير كل انش من العراق من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال"، مؤكداً أنه لن يسمح لأحد بتقسيم العراق.