هاجرت أغوتا كريستوف من هنغاريا إلى سويسرا في خضم قمع الاتحاد السوفياتي الثورة المجرية عام 1956 بالدبابات، وبإزاء هذا كانت نازحة حرب، كان عليها ترك بلدها وهي في سن الـ 21 عاماً، فغادرت مع زوجها (الذي كان معلمها لمادة التاريخ في المدرسة) وابنتها البالغة أربعة أشهر إلى نيوشاتل في سويسرا، حاملةً بعض الأشعار التي كتبتها بلغتها المجرية الأم.

Ad

 وبعد خمس سنوات من المنفى، قررت ترك عملها في مصنع الساعات، كما تركت زوجها، واتجهت الى دراسة اللغة الفرنسية، لتبدأ في كتابة الروايات بتلك اللغة وانتهت في آخر حياتها ككاتبة مسرحية باللغة الفرنسية، وروائية وأستاذة للتعليم العالي بالفرنسية.

كانت تكتب روايتها {الدفتر الكبير} وتتعلم الفرنسية في الوقت نفسه، بمعنى أن الرواية كانت تدريباً على الكتابة. تتمحور الرواية حول طفلين يتعلمان الحياة ويتعلمان الكتابة ضمن مشهد مكثف أقرب إلى قصص قصيرة سردية بلغة سهلة وممتعة، فيها الكثير من الواقعية الاجتماعية والحياتية، ربما تعكس مسيرة الكاتبة، وهي تعكس الطابع المزدوج لحياتها بين المجر وفرنسا، ويضيء في الآن نفسه شيء من حياتها التي فصّلتها في سيرتها المقتضبة {الأمية}.

تقول كريستوف في أحد نصوصها: {جئنا من المدينة الكبيرة. كنّا قد سافرنا اللّيل بأكمله. عينا أمي كانت محمرتين. كانت تحمل صندوق كرتون كبيراً، فيما يحملُ كل منا حقيبة صغيرة تحوي ملابسه، بالإضافة إلى المعجم الكبير، الذي كان ملكاً لأبي، والذي كنا نتبادل حمله كلما تعب ساعد أحدنا.

مشينا طويلاً. منزل الجدة بعيد عن محطة القطار، وهو من الطرف الثاني من المدينة الصغيرة. لا يوجد هنا ترامواي، ولا باص ولا حتى سيارات. وحدها بعض الشاحنات العسكرية تجوب الطرقات}...

عالم الكبار

كتبت أغوتا كريستوف في {الدفتر}عن قصف ونزوح، وعن الطفولة الصعبة لتوأمين أثناء الحرب العالمية الثانية، توأمين يصارعان في عالم الكبار العنيف، يصارعان للبقاء على قيد الحياة، يقيمان مع جدتهما الجشعة والمقرفة التي تعيش في غرفة قذرة وترتدي ملابس بالية ورثة. في هذه الأجواء الصعبة، يتعلم التوأم قوانين الحياة والكتابة والقسوة، التي تخلو من أي معنى أخلاقي. هذه الأجواء التي عاشتها الكاتبة كانت تدريباً لها على الكتابة وتمريناً على القص والسرد، عن حياة أشخاص هربوا من شرور الحرب والمجاعة والاستبداد.

تروي أغوتا كريستوف أنها حين بدأت كتابة {الدفتر الكبير} الرواية كان الأمر أشبه بمشاهد مسرحية تقوم بوصفها. كانت ترغب في كتابة سيرة ذاتية ما، ومن ثم، وتدريجاً، بدأ الأمر في التحول. لم تبدأ بتوصيف ما عاشته مع أخيها، بل ما رأياه، ما روياه لبعضهما البعض، وما كان يجري من حولهما.

اقتبست رواية {الدفتر الكبير} في فيلم سينمائي يتناول «الحرب ولكن من دون حرب، مع طفلين، كشخصيتين رئيسيتن. إننا نتابع تسلسل ما يحدث معهما وما تتركه الحرب على حالة الأطفال النفسية، والحرب لا تزال مستمرة اليوم»، قال مخرج الفيلم يانوش ساس.

توفيت أغوتا كريستوف في 27 يوليو 2011  في سويسرا عن عمر يناهز 75 عاماً، تاركةً مجموعة من الأعمال المهمة كان لها أثرها في الساحة الأدبية الأوروبية والعالمية وترجم بعض أعمالها إلى العربية من بينها {الكذبة الثالثة} و{أمس} بتوقيع الشاعر الراحل بسام حجار.

حصلت كريستوف على {جائزة أوروبا الأدبية} لروايتها الأولی عام 1986 بعنوان {‌المذكرة}، وحققت نجاحاً كبيراً آنذاك وترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، وفازت عام 2001 بجائزة غوتفريد كيلر في سويسرا وجائزة الدولة النمساوية للأدب الأوروبي عام 2008.‏ كذلك حصلت عام 2011 على جائزة كوسوث التي تمنحها السلطات المجرية.

لغة الأم

ومن أولى أعمال أغوتا كريستوف ككاتبة في مجال الشعر والمسرح «لغة الأم» و{جان وجو»، لكن أعمالها هذه لم تترك اثراً كبيراً في مسيرة حياتها، وكانت رواية «المذكرة» عام 1986 جزءاً من ثلاثيتها المتحركة التي حمل الجزء الثاني منها الذي صدر بعد سنتين اسم «إثبات»، وثم نشرت الجزء الثالث عام 1991 بعنوان «الكذبة الثالثة». ومحور هذه الثلاثية يدور حول الحرب والدمار والحب والشعور بالوحدة واليأس ولقاءات الاهتمام الجنسي وفقدان الرغبة والحقيقة والخيال، وفي عام 1995 صدرت لها رواية بعنوان «القطع».

كذلك وضعت كريستوف كتاباًَ بعنوان «الأمية»، ونشرته عام 2004 وهو عبارة عن سرد لسيرتها الذاتية، عبرت فيه عن حبها للقراءة في خلال مرحلة طفولته، كأن القراءة كانت طريقاً بديهياً إلى الكتابة، ويتضمن الكتاب في ثناياه كثيراً من التفاصيل التي تروي سيرتها وترصد جوانب من حياتها الإنسانية والاجتماعية، خصوصاً رحلتها من المدرسة الداخلية التي تعلمت فيها، ومن ثم عبورها الحدود وانتقالها للعيش في  النمسا، ومن ثم استقرارها في سويسرا خلال مرحلة الحرب وصراع الجيوش.

 والنافل أن كريستوف انتقلت للعيش في سويسرا بعدما قمع النظام الشيوعي بمساندة الدبابات السوفياتية الثورة المجرية عام 1956، وعلى هذا كانت الحرب والاستبداد من الأمور التي حظيت باهتمامها في الكتابة.    

ومن أعمالها الأخيرة مجموعة من القصص القصيرة بعنوان «لا شيء يحدث فرقاً» والتي نشرت عام 2005 في باريس.‏ كذلك صدرت لها قصتان قصيرتان  نشرتا في «مينزو» بالعنوانين «ماتياس» و{الخط». وقد استوحت الكاتبة اسم القصتين من رواياتها السابقة.‏