فجر يوم جديد: {فردة شمال} !

نشر في 14-04-2014
آخر تحديث 14-04-2014 | 00:01
 مجدي الطيب لا أستطيع أن أبدأ مقالي هذا من دون توجيه شكر إلى الأستاذة الدكتورة غادة جُبارة، عميد المعهد العالي للسينما، التي هيأت لي فرصة مشاهدة باقة من مشاريع تخرّج دفعة العام 2013، ولم تدر أنها ألقت بي في أحضان متعة حقيقية حُرمت منها في ظل الانشغال المخجل، واللُهاث المرضي، وراء أفلام روائية طويلة، تتوالى كوارثها من حين إلى آخر، ورغم ذلك لا نمتنع عن متابعتها، ونتابع، بجهل، الاحتفاء بأبطالها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وكأنهم نجوم ضلوا طريقهم إلى السماء، وتواضعوا عندما آثروا البقاء بيننا على الأرض!

  تنوعت الباقة بين الأفلام الروائية القصيرة وأفلام التحريك، مما أتاح لي التوقف عند رؤى متنوعة لجيل موهوب يُبشر بمستقبل طيب، يثير في النفس التفاؤل، ويؤكد أن السينما المصرية {ولادة}!

  أول الأفلام التي توقفت عندها عمل روائي قصير بعنوان {فردة شمال}، أخرجته سارة رزيق، فتاة ضئيلة الجسد، لم تتجاوز العشرين من عمرها، لكنها تملك موهبة، ووعياً رائعاً؛ إذ التقطت أحداث فيلمها، الذي لم تتجاوز مدة عرضه على الشاشة الست دقائق، من قصة نوهت في {التترات} إلى أنها مأخوذة عن موقف في حياة المهاتما غاندي، السياسي البارز، والزعيم الروحي للهند خلال حركة الاستقلال، كتب له السيناريو محمد ماهر؛ وتجري الأحداث في محطة قطار، حيث يبيع طفل فقير مناديل ورقية على رصيفها، ويخجل من نعله الممزق الذي لا يستر أصابعه، ولا يتوقف عن النظر، بانبهار، إلى الحذاء الأسود الأنيق الذي يرتديه طفلٌ جاء مع أسرته الميسورة الحال ليستقل القطار، وعلى الرصيف يستعجل أفراد العائلة الطفل خشية أن يفوتهم القطار ما يتسبب في ركوبه القطار من دون {الفردة الشمال} للحذاء {اللميع}، ويكتشف بائع المناديل حجم الورطة فينتفض من مكانه ليلحق القطار، ويحاول جاهداً إلقاء {الفردة الشمال} داخل القطار، لكنها لا تصل إلى الطفل الغني، الذي لا يجد مناصاً من خلع {الفردة اليمين}، وإلقائها على الرصيف ليُصبح الحذاء من نصيب الطفل الفقير، ويودّع كلٌ منهما الآخر بابتسامة.

   أمر طيب، بالقطع، أن يحصد فيلم {فردة شمال} جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الفيلم الروائي القصير بالدورة الثانية لـ {مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية}، وأن تقول لجنة التحكيم في حيثيات منحه الجائزة: {لشاعريته في التناول وإحساسه الرائع بالإيقاع}، لكن الأهم من الجائزة، في رأيي، أن المخرجة الشابة سارة رزيق، التي تخرجت في المعهد العالي للسينما (2013)، وحصلت على منحة يوسف شاهين لمشاريع المعهد العالي للسينما، عن الفيلم نفسه، أظهرت، مع براعتها الفنية في التوظيف الرصين لكاميرا هيثم ناصر، والإحكام الدقيق للأحداث من خلال مونتاج إيمان سمير، والسلاسة في إدارة الطفلين عمر رزيق (الفقير) وعلي رزيق (الغني)، أنها تملك مشاعر إنسانية مُرهفة، وقلباً مُفعماً بالأحاسيس الجياشة، وحب البشر؛ خصوصاً الفقراء، والتواصل مع هموم الحياة اليومية للمهمشين في المجتمع .

  في سياق ليس بعيد أكدت {سارة} باختيارها لهذا الموقف في حياة {غاندي} أن القيم الإنسانية لا تتجزأ، وأن التكافل والرحمة والتعاطف ومدّ يد العون للضعفاء، جزءٌ أصيل في فطرة البشر، تتولى الأديان السماوية صقله وتهذيبه، ولولا التنويه الذي تصدر عناوين فيلمها، ونبهتنا فيه إلى أن أحداث فيلمها مأخوذة عن موقف جرت وقائعه في الهند لما اكتشفنا الحقيقة، وتصورنا أن الواقعة، التي توقفت عندها، عاشتها على رصيف محطة قطار في مصر، ما يجرنا إلى القول إن القضايا الإنسانية لا جنسية لها، ولا مكان، والدعوة إلى القيم النبيلة كالعدل، والمساواة، والخير، والتكافل والتكاتف، يمكن أن تصنع عملاً فنياً جميلاً من دون أن يقع صاحبه في فخ الخطابة والعظة والمباشرة، ويتحول إلى خطيب يعتلي المنبر ليهدينا، وإذ به يهددنا، ويعدنا، وإذ به يتوعدنا، بالويل والثبور، وهو الفخ الذي أفلتت منه المخرجة الشابة سارة رزيق في فيلمها {فردة شمال}  بشخصيتها الواثقة، ومعالجتها الراقية، وتوجهها الإنساني النبيل، وعدم ميلها إلى {استعراض عضلاتها الفنية}!

  مشاريع تخرج دفعة 2013، في المعهد العالي للسينما في مصر، شملت أفلاماً أخرى تنوعت بين الروائي القصير والتحريك، واتسمت بطزاجة لا يتسع المجال للتوقف عندها الآن، لكن الإشارة واجبة إلى أفلام التحريك: {فرخة ولكن}، إخراج محمود حميدة (مجرد تشابه أسماء مع الفنان الشهير)، أحمد ثابت وإسلام مظهر، وتناول ظاهرة التحرش الجنسي بالفتيات والنساء والسيدات بشكل فني طريف، وجديد، برأيي، {برواز} إخراج ماريو ممدوح، الذي يحكي أزمة رجل فقد زوجته بالموت، وأحب أن يستعيدها، {أصدقاء إلى الموت}، الذي تندد مخرجته سارة نبيل بوحشية الإنسان الذي يغتال الحيوانات ليصنع من جلدها فراء للمرأة!   

back to top