الصين وآسيا... حساب الربح والخسارة في لعبة إعادة التوازن

تباطؤ الاستثمارات والاستهلاك المرن في الصين يغيران النظام الاقتصادي الآسيوي، فعلى على مقربة من وسط سومطرة، وهي جزيرة إندونيسية كانت تكسوها الغابات، كشف موقع في باطن الأرض الثروة التي تقبع تحت السطح، فهناك تم استخراج كميات من الفحم نقلت على شاحنات زنة 60 طناً إلى قمة منجم في مقاطعة "بوه"، وقد كونت خمس سنوات من النقل المتواصل مدفوعاً بتعطش الصين إلى الوقود أخاديد عميقة في الطرقات.

 وفي الآونة الأخيرة، على أي حال، توقفت تلك الشاحنات عن العمل، لقد ضعفت شهية الصين الى الفحم الذي انخفضت أسعاره، وأعطت شركة ماينمكس التي تقوم بتشغيل المنجم إجازة طويلة للعمال، ويقول مسؤول في الشركة متحسراً "ليس لدينا من خيار، علينا أن نتحمل الحال".

قد يكون التحمل كلمة ملائمة بالنسبة إلى الدول الآسيوية التي اعتادت على الاعتماد على صادرات قوية الى الصين، وبعد أن حقق الاقتصاد الصيني معدلات نمو بلغت 10 في المئة بصورة متوسطة في السنة طوال 30 سنة تراجع إلى 7.5 في المئة خلال السنتين الماضيتين، وهي نسبة جيدة بالنسبة الى معظم الدول، لكنها تمثل هبوطاً واضحاً للاقتصاد الصيني، وقد ساد هذا التراجع في المنطقة، وشهدت شركات صنع الأدوات في تايوان هبوطاً في صادراتها الى الصين بأكثر من 20 في المئة منذ سنة 2012، كما أن الحديد الأسترالي المعد للشحن إلى الصين شهد في الآونة الأخيرة أدنى أسعاره في 21 شهراً، وقد هبطت مبيعات المجوهرات في هونغ كونغ 40 في المئة هذه السنة، ويرجع ذلك في جزء منه الى حملة الصين على الفساد.

ولكن التحمل ليس الكلمة المناسبة بالنسبة الى كل من يقوم بأعمال تجارية مع الصين، ويشير محللون إلى الحليب على أنه "الذهب الأبيض" في نيوزيلندا بحكم تعطش الصين إليه، وقد ازداد عدد الزوار الصينيين إلى سريلانكا أكثر من الضعف في النصف الأول من هذه السنة، وتمثل شريحة النساء الصينيات في الثلاثينيات من العمر أكبر مجموعة من المشترين الأجانب على الشبكة العنكبوتية من "لوت" وهي شركة تجزئة كبيرة في كوريا الجنوبية لصنع مستحضرات التجميل.

تغيرات النمو الصيني

وتنبع هذه الثروات المتضاربة من تغيرات عميقة وتدريجية في النمو الصيني، ويتخطى الاستهلاك عامل الاستثمارات كمحرك رئيسي للاقتصاد، كما أن استهلاك العائلة في الآونة الأخيرة تجاوز نسبة الناتج المحلي الإجمالي مرتفعاً من 34.9 في المئة في سنة 2010 إلى 36.2 في المئة في السنة الماضية، وذلك بحسب بيانات رسمية، ويظن بعض الاقتصاديين أن الحصة الحقيقية قد تصل الى أعلى بـ10 نقاط مئوية من ذلك. وفي هذه السنة حتى مع "تحفيز صغير" تمثل بالإنفاق على الخطوط الحديدية والإسكان العام– وهي خطوة أعلنت في شهر أبريل– شكل الاستهلاك أكثر من نصف معدل النمو في الصين.

وعلى الرغم من محدودية إعادة التوازن هذه فقد برز بجلاء خارج حدود الصين في المقام الأول مسألة ماذا تشتري الصين، ومع مستوردات بلغت 1.95 تريليون دولار في سنة 2013 كانت ثاني أكبر دولة مستوردة في العالم، بعد أميركا فقط (على الرغم من أن نحو نصف تلك المستوردات كان من القطع التي تم تجميعها وإعادة تصديرها). وتعتبر تايوان أكثر عرضة لشهية الصين من أي دولة آسيوية أخرى، حيث شكلت مبيعاتها الى الصين نحو 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي فيها، ولكن العديد من صادراتها، مثل الهواتف الجوالة، موجهة نحو الاستهلاك وليس الاستثمار، وقد ارتفعت طلبات التصدير في تايوان إلى الصين 15 في المئة في شهر يونيو عن سنة خلت.

وتتمثل الشريحة الأكثر عرضة للخطر بأولئك الذين يصدرون بشكل رئيس السلع والآلات الثقيلة إلى الصين، وتعتبر أستراليا الدولة الأكثر تعرضاً للخطر حيث يمكن أن تفقد 0.8 نقطة مئوية من نموها في حال تباطؤ الاستثمارات الصينية، وذلك بحسب شركة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية، لكن ذلك لم يحدث بعد، إذ إن تراجع طفرة التعدين الأسترالية أفضى إلى دفع البطالة إلى أعلى معدلاتها في عقد من الزمن عند 6 في المئة.

تأثيرات بالجملة

حتى تلك الدول التي لا تصدر الكثير إلى الصين سوف تشعر بتأثيرات إعادة التوازن فيها من خلال أسواق السلع، كما أن تحقيق المزيد من الفتور في الطلب الصيني سوف يعني هبوطاً في أسعار العديد من المواد الخام: انخفاض نحو 50 في المئة في أسعار الفحم الإندونيسي منذ سنة 2011، ويفاقم من تأثير التباطؤ الصيني الإجراءات الحكومية الرامية إلى توجيه شركات الطاقة بعيداً عن الفحم الأرخص والأكثر تلويثاً، مثل ذلك الذي عثر عليه في "بوه". ويقول غاتوت أديسوما من جمعية تعدين الفحم الإندونيسية "لم يعد في وسعنا تحقيق أموال عبر تعدين ذلك الفحم ما لم نكن على مقربة من الساحل، حيث يمكننا نقله إلى السفن".

ولكن الصورة ليست كلها قاتمة بالنسبة إلى السلع، وتستخدم المعادن بشكل رئيسي في بضائع المستهلكين، مثل معدن الزنك، ويخصص معظمها في صناعة السيارات، وهي تتقدم على تلك المرتبطة بالنماذج القديمة للنمو الصيني مثل الحديد الذي يدخل ضمن الفولاذ المستعمل في صناعة الإسكان الواسعة في الصين، وتجدر الإشارة إلى أن معظم الدول الآسيوية من كوريا الجنوبية إلى تايلند تعتبر من أكبر مستوردي المعادن والطاقة. وإذا أراد رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، إطلاق عملية إنفاق على البنية التحتية فإن جهوده سوف تتأثر بضعف الاستثمارات في الصين.

وعبر مضيق ملقا من مناجم الفحم في "بوه" تعززت إمكانات "كاريكس" أكبر شركة ماليزية في العالم في مستوردات مواد البناء من خلال التحول في تركيبة مستوردات الصين، وبالحركة الناجمة عن أسعار السلع في آن معاً، وقد تضاعف استيراد مواد البناء في الصين بنحو ثلاثة أمثال بين سنة 2007 و2013 ليصل إلى 3.4 ملايين كغ، وفي غضون ذلك هبط سعر المطاط وهو المكون الرئيسي في هذه الأعمال الى ما يقارب النصف منذ سنة 2011، وذلك بفضل انخفاض الطلب على الإطارات الكبيرة الحجم من صناعات التعدين والبناء.