في كل عام نلتقي على موعد نضربه في الغيب، واذا ما قدر لي يوما أن أخلفه أتمنى ألا يقدر لك ذلك.

Ad

أيتها الحبيبة التي سكنت خلايا هذه الروح الباردة منذ صوت الطفل الأول الذي ضج في ظهيرتك المرتعشة ذات يوم من خريف مرتبك. أعود إليك كل خريف محملا بأحلام لم تكتمل ونبوءات لم يحالف الصدق عرافها الذي منحني كل خرافته الموحشة وأنا أبتسم في وجه نيته الحسنة وعجزه عن قراءة خطين متقاطعين في كفي الأيمن. في كل عام اذا استمر بي العمر سأكون على موعدي الذي حضّرت له لهفتي وارتجافتي كفتى في أول العشق يحمل رغبة ليس لها أن تتحقق فتتلاشى، رغبة أصبح قدرها أن تستمر هكذا رغبة فقط.

سأعود هذا العام وليس بإمكاني أن أوزع كل القلب على أحبابي وعلى أمسيات الأصدقاء وهم يتبادلون همومك الأثقل من احتمالك. ليس بامكاني أن أوزع الفرح الذي أمتلك ونحن معا نقتسم الاشتياق والعتب، ويغلبنا الزمن وهو يمر سريعا دون أن يمنحنا الوقت وقته لشهوة العناق. ولكنها فرصتى الوحيدة الممكنة لأخبرك أن نفسي راودتني مرة لخيانتك وشعرت أنني لست أنا، فعدت اليك أكتبك كما أشتهي وأشكلك كما أريد، لم أنظر اليك يوما بعيون الآخرين وهم يهيمون بحبك مثلي وربما أكثر مني، أكتفي بأنني أعرف كيف أحبك وكيف أصورك أجمل وأبهى كلما تقدم بنا العمر.

أعلم أنك تغيرت كثيرا وكثرت على وجهك الأجمل التجاعيد ولم يبق لي منك سوى حلمي بك ولكني أحبك. منذ أول التاريخ البسيط الذي تركته في ثنايا عقلي ومنذ الجغرافيا البكر التي تشكلت منها سهلا وتلالا وآبار القرويين البسطاء، منذ أول ظهيرتك الحمراء وصهد مساءاتك، منذ طينك البريء وملاعب كرة القدم وألعاب البدو في المساءات المقمرة، منذ أول قسوة الحديد وانصهار الفلز بمعدن الروح كنت أحبك وسأبقى أحبك قرية ومدينة ووطنا لا يماثله وطن.

أسميك عالمي الذي لا حاجة لي لابتكار عالم سواه، واذا صغرت في ذهني أخذتك بعيدا في الكتاب لتكوني أعظم مما أنت عليه، لست بحاجة الى "يوكناباتافا" وليم فولكنر ولست بحاجة الى "ماكوندو" ماركيز، يكفي أن أسميك باسمك "الجهراء".

لست بحاجة الى مدينة من الوهم في حضرتك وأنت سيدة الحب وآلهة الحرب، من خاصرتك يمر الغزاة والطامعون وعلى أرضك ينهزمون، لم تكوني الأكثر ثراء ولكنك الأجمل صبرا. تعلمنا منك الشعر والحكمة وأحاديث الرجال في ليل الشتاءات الطويل.

أشتاق دائما أن أعيد بناءك كما أشتهي، أشيد أكواخك القديمة وأبني مزارعك الفقيرة ومسجدك القديم وسوقك الأقدم. أرسم القلوب التي كانت وأبناءك الذين هجروك وأسميك مرة أخرى بذات الاسم.  

سأراك هذا العام على موعدي معك، أصافح وجوه أحبابك، أتتبع الخطى التي سرتها على دروبك أربعين عاماً دون أن أقول لك كم أحبك، أقرأ عليك ما صنعته منك وبك وأقبل قدميك العاريتين اذا أغضبتك. وأعتذر عن غيابي، لك وحدك أعتذر.