ممكّنو بوتين الغربيون متورطون في الفساد الروسي

نشر في 09-03-2014
آخر تحديث 09-03-2014 | 00:01
بإمكان بوتين وزملائه القيام بما يريدون في أوكرانيا أو جورجيا أو لندن، لأن الجميع يعلمون أن الغربيين يُباعون ويشترون، بغض النظر عما يقولونه، ولا شك أن هذا المعيار المزدوج يثير أيضاً استياء المعارضة الروسية المضطهدة، التي ما عادت تعتبر الغرب داعماً أو جذاباً.
 واشنطن بوست قامت شركة طاقة يطلق عليها "روزنفت" عام 2006 بتعويم نفسها في بورصة لندن، لكنني لاحظت آنذاك أن نشرة اكتتابها احتوت على تحذيرات غير معتادة حتى بالنسبة إلى شركة روسية، فقد ورد فيها: "تولّد الجريمة والفساد جواً صعباً بالنسبة إلى الأعمال في روسيا"، فقد ترغم بعض مصالح المديرين "روزنفت على المشاركة في ممارسات تجارية لا تساهم في رفع قيمة المساهمين إلى أقصى حدّ".

لم يبدُ ذلك غريباً: فقد أُسست "روزنفت" نتيجة عمل سرقة واضح للعيان بصورة صارخة، فقبل بضع سنوات، أرغمت الحكومة الروسية شركة نفط أخرى، "يوكوس"، على الإفلاس بالمطالبة بضرائب متأخرة بلغت 30 مليار دولار، ثم أرسلت رئيس مجلس إدارتها، ميخائيل خودوركوفسكي، إلى معسكر للعمل الإلزامي (خرج منه أخيراً). بيعت أصول "يوكوس" بعد ذلك إلى شركة غامضة قدّمت عنواناً لها حانة لشرب الفودكا في مدينة تفير، وعملت هذه الشركة بدورها على بيع هذه الأصول إلى "روزنفت" مقابل مبلغ زهيد، ولا عجب في ذلك، فالحكومة الروسية هي المساهم الأكبر في روزنفت، أما مديرها التنفيذي، فكان نائب كبير موظفي الرئيس فلاديمير بوتين.

كما كتبتُ حينذاك، يحدّد بيع "روزنفت" مبدأ بارزاً: تحظى الأصول الروسية المشتراة بطريقة غير مشروعة بقبول المؤسسات المالية الدولية، طالما أن قيمتها كبيرة كفاية. وقد طُبّق هذا المبدأ العام منذ ذلك الحين على الكثير من الأصول الروسية في الولايات المتحدة وأوروبا، خصوصاً بريطانيا. ربما لا يدرك القراء الأميركيون مدى سيطرة أثرياء الاتحاد السوفياتي السابق على أسواق الفن والعقارات في لندن. صحيح أن بعض هذا المال يأتي من أرباح تجارة النفط، إلا أن بعضه الآخر نتيجة سرقات.

لكن نتائج هذا القرار الضمني بالقبول بالمال الروسي من دون أي سؤال أو تشكيك تجلت بوضوح الأسبوع الماضي، فلا شك أن جزءاً من التردد الأوروبي العام في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا يعود مباشرة إلى استثمارات روسيا، ومصالحها، وعملائها في الشركات والمصارف الأوروبية، لكن تبييض الأموال الروسية وتسهيل استعمالها، في أوروبا والولايات المتحدة على حد سواء، أدى إلى عواقب أكثر أهمية في روسيا بحد ذاتها.

لا يميز معظم الروس، بخلافنا، بين "المسائل الاقتصادية" من جهة و"حقوق الإنسان" من جهة أخرى، ففي روسيا يشكّل الفساد وحقوق الإنسان مسألة واحدة، إذ تسيطر النخبة الروسية على وسائل الإعلام وتقمع أي انشقاق لأنها تريد في المقام الأول حماية ثروتها، في الوقت عينه، تدرك هذه النخبة أن ثروتها تنبع مباشرة من علاقتها بالدولة؛ لذلك لا تستطيع التخلي عن السلطة في انتخابات ديمقراطية.

نتيجة لذلك، تعتبر روسيا السياسيين الغربيين، الذين يستفيضون في الكلام عن الديمقراطية، ومتجاهلين في الوقت عينه انتهاك قوانين بلادهم المناهضة للفساد، مرائين. كذلك يعزز هؤلاء السياسيون شعور النخبة الروسية أنها تستطيع التفلت من العقاب: فبإمكان بوتين وزملائه القيام بما يريدون في أوكرانيا أو جورجيا أو لندن، لأن الجميع يعلمون أن الغربيين يُباعون ويشترون، بغض النظر عما يقولونه، ولا شك أن هذا المعيار المزدوج يثير أيضاً استياء المعارضة الروسية المضطهدة، التي ما عادت تعتبر الغرب داعماً أو جذاباً: فلا أحد يريد سماع العبارات الرنانة عن حقوق الإنسان من شخص يموّل رجال أعماله دولة مستبدة.

* آن أبلبوم | Anne Applebaum

back to top