لا للاتفاقية الأمنية الخليجية
الاتفاقية الأمنية الخليجية التي تدفع الحكومة حاليا بقوة للمصادقة عليها رسميا هي ذاتها الاتفاقية القديمة، بعد إعادة صياغتها، والتي سبق أن رفضتها الكويت عام 1994 لمخالفتها للدستور وتعارضها مع مبادئه العامة، لا سيما الباب الثالث الخاص بالحقوق والواجبات العامة. النسخة الجديدة المعدّلة أتت ببعض العبارات المطاطة والغامضة وحمّالة الأوجه، وهو الأمر الذي يجعلها أكثر مدعاة للرفض، حيث إن بعضها، كما سنرى، يمس السيادة الوطنية وينتهك الحقوق الدستورية للمواطنين الكويتيين.
المادة الأولى، على سبيل المثال لا الحصر، تمت صياغتها بشكل غامض حيث إنها تتناقض مع مواد أخرى مما سيجعل تطبيق القواعد الخاصة بالاتفاقية يختلف من دولة إلى أخرى نظراً لاختلاف القوانين، أما المادة الثانية فورد فيها التالي "تتعاون الدول الأطراف فيما بينها لملاحقة الخارجين على القانون أو النظام...". فما المقصود بالنظام؟ وما معنى الخروج عليه؟! والمادة الثالثة تحظر على المواطن والمقيم أيضاً الحديث عن أي أمر له علاقة بأي شكل أو نوع كان بأي دولة من دول التعاون، حيث إن ذلك يعتبر "وفقا للتشريعات النافذة لديها تدخلا في الشؤون الداخلية لأي من الدول الأطراف الأخرى"!.كما تتضمن الاتفاقية مواد تسمح بتقديم معلومات عن أي مواطن أو مقيم لأي دولة من الأعضاء، وهو انتهاك صارخ للدستور، ولخصوصية الإنسان الذي تحميه الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الكويت وأصبحت مُلزمة بتطبيقها. أما المادة السادسة فتتحدث عن العمل على توحيد "الأنظمة" فأي أنظمة تقصد؟! وهل من مصلحة الكويت توحيد الأنظمة القانونية والتشريعات الخاصة بحرية تشكيل منظمات المجتمع المدني والنقابات وحرية الرأي والتعبير والتجمعات والبحث العلمي والاعتقاد، والتي تختلف اختلافا كليا في الكويت عنها في بقية دول مجلس التعاون؟!والمادة العاشرة تسمح بالاستعانة بقوات دولة أخرى في الشأن الداخلي، بينما تثير المادتان (11 و14) من الاتفاقية الأمنية شبهة دستورية تتعلق بالمساس بالسيادة الوطنية، ومن جانب آخر فإن المادة (16) تخالف المادة (34) من الدستور التي تنص على "أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة"، فكيف يصح دستوريا أن تقوم الكويت بتسليم أشخاص لدولة أخرى لمجرد توجيه تهم لهم هناك؟!بناء على ما سبق فإنه من الواضح أن الاتفاقية الأمنية الخليجية لا تتوافق مع الدستور، وهي ليست سوى شكل من أشكال التعبير عن سياسة القبضة البوليسية المسيطرة على تفكير منظومة مجلس التعاون بالرغم من أن هذه السياسة كما ذكرنا مرارا وتكرارا لا تحمي الأنظمة، فالشعوب هي التي تحمي دولها وأنظمتها، فكلما اتسعت المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار ازداد الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي ليست استثناء من بقية شعوب العالم، فهي تريد الديمقراطية وحماية الحريات والكرامة الإنسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة والتكامل الاقتصادي، وليس تقييد الحريات وملاحقة الشباب الوطنيين الأبرياء لمجرد تعبيرهم عن آرائهم بحرية، ومطالبتهم بإصلاحات سياسية وديمقراطية تضمن الاستقرار الاجتماعي والسياسي لدولنا في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية المضطربة.وباختصار شديد، فإن الاتفاقية بنسختها الجديدة-القديمة تخالف الدستور نصاً وروحاً، وتقضي على هامش الحرية النسبية التي تميز الكويت عن بقية دول منظومة التعاون، لهذا يجب أن نقول جميعا وبصوت واحد قوي لا للاتفاقية الأمنية الخليجية.