يذخر فيلم {مراتي وزوجتي} بكثير من السطحية والسخافة والتلفيق بحيث لا تصدق أنه أنتج في العام 2014؛ فأفلام على شاكلة {عماشة في الأدغال} من إنتاج 1972 وتأليف عبد الرحمن شوقي وإخراج محمد سالم، كانت أكثر منه صدقاً ومنطقية وملائمة لوعي الجمهور في تلك الفترة على عكس الفيلم الذي كتبه لؤي السيد بمنطق القرون الوسطى، ولم تختلف الحال كثيراً مع الإخراج البليد، الذي لم أتوقعه من واعد لم أخف انحيازي له ممثلاً ومخرجاً هو معتز التوني!

Ad

العجيب في الأمر أن شارة الفيلم، التي تم تنفيذها من خلال فن التحريك، أوحت بأننا مقبلون على وجبة فنية وفكرية دسمة، تحمل تحذيراً من خطورة تشييد أبراج الهواتف النقالة، وتأثيرها الضار على البشر والحيوانات والبيئة والطبيعة، وهو المعنى الذي تأكد مع ظهور المهندس {حسام} (رامز جلال) الذي تخصص مع صديقه {هاني} (إدوارد) في بناء الأبراج، وتم تكليفهما، بواسطة مدير الشركة (سامي مغاوري) للسفر إلى إحدى الدول الإفريقية (اختار لها الكاتب اسماً وهمياً) لبناء محطة استقبال. لكن سرعان ما نكتشف أننا وقعنا في براثن تمثيلية درامية سخيفة لا تخلو من بلادة فنية؛ فالكاتب لؤي السيد لم يقنع بأن فكرة كهذه يمكن أن تصنع فيلماً جميلاً فما كان منه سوى أن نسج {حدوتة خايبة} حول {حسام}، الذي يعاني مشاكل في حياته الزوجية بسبب انشغال زوجته {فريدة} (شيري عادل) بوضعها الاجتماعي، وانصياعها التام لأمها {لطفية} (رجاء الجداوي) التي تود لو أصبح زوج ابنتها نسخة من زوجها الضعيف {فايز} (حسن حسني) وإهمالها (أي فريدة) لبيتها وزوجها في غمرة لهاثها المحموم، ورغبتها الذاتية في الفوز بمنصب أمين عام جمعية الأسرة السعيدة!

انشغل المؤلف بقضية انشغال الزوجة عن زوجها، التي استهلكتها مئات الأعمال الفنية سابقاً، وتجاهل قضية {أبراج الهواتف}؛ فالبطل يصل وصديقه إلى الدولة الإفريقية بعد 12 حقنة تطعيم وكأنها دولة موبوءة، وبخلاف المشاهد الطريفة للسائق الإفريقي الذي يقود السيارة والطائرة الشراعية والسيارة الجيب التي تقودهما إلى فندق القرية، ويُعاقر الخمر ويتعاطى المخدرات أثناء القيادة. يرتكب المؤلف خطأ فادحاً تتحول بمقتضاه مشاهد إفريقيا إلى مادة خصبة للسخرية من إفريقيا {السوداء}، وفرصة للتندر من جهل أهلها وتخلفهم؛ فباستثناء بعض لقطات عابرة للجمال الإفريقي متمثلاً في الصحارى والغابات المفتوحة، بدا الاهتمام كبيراً بالقول إن الطائرة كانت تُقل الماعز والدواجن جنباً إلى جنب مع البشر. كذلك تم اختيار منطقة الجوازات في صحراء جرداء تفتقر إلى الإمكانات بشكل يدعو الركاب إلى قضاء حاجتهم في العراء. لكن السخرية انقلبت إلى عنصرية بغيضة مع وصول البطلين إلى القرية؛ فالخوف مُبالغ فيه من عطس وسعال موظف الاستقبال، وكأنه يحمل فيروساً خطيراً، وعندما يكتشف البطلان أن حجرة الفندق من دون تلفزيون أو هاتف يقول {حسام}: {احمد ربنا إن فيها سراير}. وبدلاً من استثمار حدائق الحيوان المفتوحة، على غرار ما حدث في فيلم {أفريكانو}، في تقديم جانب أفريقيا الأخاذ، يسقط الفيلم في الهاوية بإصراره على تصوير مشاهد مقززة للإفريقي ذي الرائحة العفنة، الذي يلتقيه {حسام} صباح كل يوم في {التواليت}، ويُصدر كل أنواع الأصوات القبيحة، وهو المشهد الذي استهوى المؤلف والمخرج، ومن ثم تعمدا تكراره بفجاجة!

لا أعرف سبباً لتورط الفيلم في هذه العنصرية البغيضة، التي تعكس غياباً ملحوظاً للمسؤولية وإصراراً على بث الفتنة بيننا والأشقاء الفارقة في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى لم الشمل ونبذ الفرقة وإجهاض المؤامرات التي تُدبرها جهات مشبوهة للإيقاع بين أبناء القارة وتأجيج الكراهية بينهم، وهو الهدف الذي نجح فيه المؤلف لؤي السيد والمخرج معتز التوني، ومعهما رامز جلال الذي يملك ولعاً فطرياً للسخرية، وقدراً ملحوظاً من السادية؛ فالفرصة كانت مهيأة للجميع لتقديم الجانب الآخر للإفريقي المعاصر بعيداً عن تكريس الصورة الذهنية المُنفرة، التي روج لها الاستعمار، عن الإفريقي {الأسود}، الذي يأكل لحوم {الأبيض}، وتقديم ذات الطقوس التقليدية الساذجة التي لم تعرف السينما المصرية المتخلفة غيرها.

هذه الذهنية الاستعمارية المريضة خيمت على ما يقرب من نصف أحداث الفيلم ثم استمرت، بشكل آخر، من خلال حبكة أكثر سذاجة واستفزاز مع عودة البطل إلى مصر، واستمرار خلافاته مع زوجته. لكن أزمة فيلم {مراتي وزوجتي}، في رأيي، تكمن في السيناريو الذي كتبه لؤي السيد، واتسم بكثير من الارتباك، والتكرار الباعث على الملل والحذلقة والعنصرية، فضلاً عن الخيال الكسيح للمخرج معتز التوني، وهو ما لم أتوقعه!