محاربة «القاعدة» في العراق تخدم مصالح الولايات المتحدة

نشر في 18-01-2014
آخر تحديث 18-01-2014 | 00:01
رغم أنه يتعين على الولايات المتحدة ترك المالكي ليتحمل مسؤولية سياساته الداخلية والخارجية، فإنه لن يكون في مصلحة واشنطن البقاء كمتفرج في وقت يشتعل العراق، ولا مشاهدة بغداد وهي تتجه نحو روسيا طلباً للمساعدة.
 واشنطن بوست من جديد يجد العراق نفسه في عين العاصفة وفي خضم أزمة حرجة، وفي ضوء التضحيات التي قدمتها الولايات المتحدة وشركاء الائتلاف والعديد من العراقيين لإعادة البلاد من حالة شفا الكارثة في سنة 2006، يمكن القول إن ما هو أكثر من مقلق أن نشهد حدوث معركة ثالثة في الفلوجة، لكن بدلاً من توجيه أصابع الاتهام والتعاطي الخاطئ مع هذا التهديد المتوقع الحدوث، يتعين أن يتم التركيز على أفضل السبل لتحقيق التقدم والمضي قدماً إلى الأمام.

يتخذ تنظيم "القاعدة" أسلوباً منسقاً يستهدف إقامة ما يطلق عليه "الدولة الإسلامية في العراق والمشرق"، ويعترف زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري بهذا التنظيم، وبفرع آخر لـ"القاعدة" هو "جبهة النصرة"، وثمة ترابط بين هجمات "القاعدة" في العراق وسورية- وهو يحقق إنجازات جلية. كما أن النجاح الذي يحققه في العراق أو سورية- حتى إن "اقتصر" فقط على السيطرة على منطقة الأنبار في غرب العراق، وأجزاء من وسط العراق وشماله وأجزاء من سورية- لا يصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي.

ومن المحتمل أن يكسب "القاعدة" المعركة إذا لم تتدخل الولايات المتحدة، وليس لدينا أي خيار جيد، ولكل واحد أخطاره ولكن الاكتفاء بجهد قليل له أخطاره أيضاً.

تتمثل الأنباء الجيدة، من وجهة النظر العسكرية، بوجود مدى واسع بين القيام بعمل ضئيل من أجل تحقيق أي تأثير حقيقي وتكرار عملية "زيادة القوات"- فالولايات المتحدة في حاجة إلى أسلوب واقعي دقيق.

القوة الجوية قد تساعد على تحويل اتجاه المد وعكسه ليصبح ضد تنظيم "القاعدة"، لكن تزويد العراق بطائرات "إف- 16" و"أباتشي" وطائرات مراقبة من دون طيار لا يشكل "قوة جوية"، وامتلاك المعدات لا يماثل القدرة على استخدامها. لقد عمدت الولايات المتحدة إلى تسريع عملية تسليم العتاد الحربي الذي طلبه العراق، لكن التسليم في الربيع قد يكون متأخراً بعض الشيء.

في الأجل القصير يتعين على المسؤولين الأميركيين النظر في مسألة تزويد العراق بقدرات يمكن استخدامها الآن وبطرق يمكن أن تشكل فارقاً في النتائج مع "القاعدة". وهذا يعني استخداماً محدوداً ومؤقتاً للقوة الجوية الأميركية التي يمكن أن تتمركز خارج العراق بغية تقليل الخطر بقدر أكبر.

لكن القوة الجوية وحدها لن تكون حاسمة، ويجب أن تستخدم بالتزامن مع قوة هجوم برية تشمل القوات التقليدية والعمليات الخاصة، ويتعين أن تتكون هذه العملية البرية من قوات عراقية لكن على الولايات المتحدة توفير المراقبة الجوية التكتيكية نظراً لعدم توافر تلك القدرة لدى قوات الأمن العراقية. وتنطوي الرقابة الجو- أرضية على أكبر قدر من الخطر، ويتعين وجود بعض المراقبين على مقربة من مواقع القتال، وهو أمر ضروري من أجل ضمان مهاجمة طائراتنا لأهداف مشروعة والحد من الأضرار المحتملة ولأن الوضع على الأرض يتسم بالسيولة، كما يوجد رجال قبائل مسلحون في مناطق حضرية بين السكان المدنيين ومقاتلي "القاعدة". واعتماداً على مواقع استخدام القوة الجوية الأميركية يمكن نشر بعض المراقبين في الأجواء بغية تخفيف حدود الخطر.

ويفتقر العراق أيضاً إلى القدرة على التخطيط لشن حملة كبيرة ومعقدة من الجو إلى الأرض، كما أن المساعدة في التخطيط التي سوف يحتاج العراق إليها لن تتطلب وجود عدد كبير من القوات، ولكن يتعين وجود خلية التخطيط في العراق- ويمكن أن تكون في بغداد حيث يحصل المخططون على قدر نسبي من الأمن وإن كان ذلك لا يعني انتفاء الخطر.

هذا النوع من القوة الجوية والمساعدة في عملية التخطيط- المؤقتة والمحدودة- سوف يتطلب تخلي العراق عن الاعتراضات القانونية وغيرها، ولكن في ضوء الوضع الأمني في الأنبار وما بعدها تبدو تلك العقبات ممكنة التجاوز.

وتوجد أيضاً جهود دبلوماسية يتعين أن تكملها الخيارات العسكرية، وقد جاء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى واشنطن في شهر نوفمبر الماضي من أجل طلب المساعدة، ومع ذلك فقد حصل على قدر من المحاضرات أكثر من المساعدة: المالكي، وهو شيعي، يتحمل بعض المسؤولية إزاء القلاقل والعنف في بلاده. وقد رفض، على سبيل المثال، المساومة مع قادة السنّة الذين قاموا بحركة احتجاج سلمية طوال سنة. وإضافة الى ذلك فإن الحكومة العراقية، ومن خلال دعمها لنظام بشار الأسد في سورية، تصرفت بطريقة مناوئة لسياسة الولايات المتحدة، ورغم أنه يتعين على الولايات المتحدة ترك المالكي ليتحمل مسؤولية سياساته الداخلية والخارجية، فإنه لن يكون في مصلحة واشنطن البقاء كمتفرج في وقت يشتعل فيه العراق، ولا مشاهدة بغداد وهي تتجه نحو روسيا طلباً للمساعدة.

تستطيع واشنطن أن تعرض القيام بدور وسيط بين حكومة المالكي والقبائل السنّية واستخدام النفوذ الذي تحقق عبر عروض المساعدة العسكرية الملموسة من أجل مساعدة رئيس الوزراء على القيام بتسويات ضرورية لضمان مشاركة القادة السياسيين والقبليين السنّة في الحكومة والمجتمع. وفي وسعنا أيضاً دفع بعض القادة المختارين من الشيعة والأكراد على المشاركة والمساعدة على تحقيق استجابة معتدلة من جانب الحكومة العراقية، ويتعين على الولايات المتحدة مساعدة المالكي في الأبعاد السياسة المضطربة والمعقدة في هذه الأزمة وتحسين نوعية الحوكمة في العراق بحيث تتفادى أزمات مماثلة في المستقبل.

من المؤكد أن العنف في العراق مشكلة عراقية، ولكنها مشكلة تنطوي على خطر بالنسبة الى الولايات المتحدة، ومنذ سنوات سعت بلادنا الى مساعدة العراق على التحول الى حليف في الحرب ضد تنظيم القاعدة من أجل منع القاعدة من إقامة ملاذ في العراق، وتظل تلك الغايات مشروعة.

ما من أحد يريد اندفاعة أخرى للقوات الأميركية إلى العراق، ولكن من أجل استثمار غير واسع تماماً للقوات العسكرية والاهتمام الدبلوماسي، وضمن خطر معقول، تستطيع الولايات المتحدة مساعدة نفسها ومساعدة العراق، فمجرد التمنيات بأن يكون العراق في وضع أفضل مضيعة للوقت، ونحن عند نقطة نستطيع فقط أن نختار الأفضل بين الخيارات السيئة.

James M. Dubik

* جنرال متقاعد وزميل رفيع في معهد دراسات الحرب.

back to top