يتساءل الكثير عن السيناريوهات المحتملة لسيل الاستجوابات القادمة وانعكاساتها على العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة، وكذلك نتائجها على الوضع السياسي العام.

Ad

يعتمد التحليل السياسي على الثوابت والمتغيرات في إطار اللعبة السياسية من جهة، وعلى أسس ومقتضيات ما يعرف بالقرار الرشيد من جهة أخرى في التنبؤ أو استشراف المستقبل، ولذلك تكون الخيارات محددة وشبه واضحة.

لكن الوضع الكويتي في معظم الأحيان يتحول سريعاً إلى "شرباكة" سياسية، وتحليله لا يتقيد بإطار منهجي. وبالنتيجة، فإن الاحتمالات المستقبلية تكون واسعة ومتناقضة، وهذا لا يمنع من طرح بعض التوقعات المستقبلية، مع الأخذ بعين الاعتبار الضعف السياسي لمجلس الأمة والقوة النسبية للحكومة التي تعجز عن استغلالها ووقوعها في أخطاء قاتلة مرات عديدة.

السيناريو الأول، الذي يتم الترويج له هو إجراء تعديل وزاري واسع يشمل نصف أعضاء مجلس الوزراء، وهذا الحل الأقل كلفة والأسهل من جهتين هما: الالتفاف على جميع الاستجوابات دفعة واحدة وإنقاذ رئيس مجلس الوزراء، الذي سوف يحافظ على منصبه خلال الفترة القادمة.

هذا الاحتمال رغم سهولته ورجاحته يواجه معضلة احتمال عدم بقاء المجلس إما لإبطاله دستورياً الشهر القادم وإما حله سياسياً كمحاولة لإبقائه "مجلسا سابقا"، الأمر الذي يعني رفض مبدأ التوزير من قبل الكثير من الشخصيات المقبولة شعبياً ونيابياً، وأي حكومة مؤقتة ستكون كلفتها كبيرة على حساب تردي الخدمات وتفشي صور الفساد التي كشف عن جزء بسيط منها ديوان المحاسبة أخيراً.

السيناريو الثاني يتمثل في صمود رئيس الحكومة ووزرائه أمام الاستجوابات القادمة خصوصاً أن الغالبية العظمى منها لن تتجاوز حدود المناقشة، مع وجود الفزعة والفزعة المقابلة برلمانياً في التعاطي معها، لذلك من السهولة بمكان "كروتتها" في جلسة واحدة ماراثونية لكسب الوقت حتى موعد نطق المحكمة الدستورية، وهذا الاحتمال سوف يمهد الطريق لأمرين هما: كشف ضعف المجلس الحالي وترويج فكرة تعديل نظام الانتخابات خصوصاً مشروع "الصوتين" للتصالح مع من تبقى من خطوط المعارضة السابقة.

مشكلة هذا السيناريو تكمن في زيادة عدد نواب المعارضة تدريجياً واستمرار ملاحقة رئيس الوزراء بالاستجوابات وصولاً إلى تقديم طلب عدم التعاون معه، أي تكرار ما حدث مع الشيخ ناصر المحمد إلى حين استبعاده عن الحياة السياسية، كما أن المعارضة السابقة سوف تغتنم هذه الفرصة للعودة إلى الواجهة مما يؤدي إلى إرباك الكثير من النواب الحاليين وتهديد كراسيهم في المستقبل القريب.

وهناك سيناريو آخر هو استقالة الحكومة برمتها لامتصاص النقمة الشعبية والبرلمانية، وقد يشجع ذلك على تزايد المطالبات الشعبية بعدم عودة رئيس الوزراء واختيار شخصية جديدة، خصوصاً بعد تسرب أنباء عن ظهور شعار "ارحل" آخر بمباركة وتمويل من أبناء العمومة، وهذا قد يعني الرجوع إلى المربع الأول وتزاحم الملعب السياسي بكل لاعبيه مما يعقّد المشهد أكثر فأكثر.

الاحتمالات هذه وما قد يفكر فيه أصحاب القرار من بدائل أخرى أو ما قد يتنبأ به محللون آخرون معظمها يمكن أن يؤول إلى "شرباكة"، خصوصاً أن أي حل جزئي قد يفتح أبواباً لمشاكل وتعقيدات أخرى، ويزيد الطين بلّة أن العديد من مبادرات الإصلاح والدعوة الى الحوار الصريح قد فشلت بسبب العناد، وهذا ما يجلبه العناد دائماً وأبداً!