اجتهد كثير من المحللين والمعلقين العرب والأجانب في قراءة نتائج زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للرياض الأسبوع الماضي وانعكاساتها على العلاقات الثنائية مع السعودية التي تمثل محوراً واضح المعالم يتصدى لمشروع كبير لإعادة صياغة الشرق الأوسط وإخضاعه لهيمنة ثنائية إيرانية - إسرائيلية، ويمهد لعملية تسلم وتسليم واشنطن المنطقة إلى طهران وتل أبيب. وكانت معظم التعليقات والتحليلات حول الزيارة مبهمة ومرتبكة ودون خلاصة مفهومة ومحددة لنتائجها، مما يرسخ فكرة أن أميركا ماضية في مشروعها مع طهران وتل أبيب لترتيب مستقبل المنطقة.
البعض سيطلق صيحات الاستنكار لهذا الاستنتاج ويوجه عبارات التخوين لمن يتبناه، لكن المعطيات لمن يتفحص الأحداث في المنطقة ستكشف ذلك بوضوح، بل إن المشهد الأميركي في الخليج والمشرق العربي هو ذاته لمشهد الأميركان عشية الهروب من سايغون في فيتنام لكن بشكل بطيء جداً وظروف مرتبة ومحسنة، فأميركا البراغماتية التي تغلب مصالحها عندما تود الانسحاب من منطقة ما تبحث غالباً عن الأقوياء فيها لتربط علاقاتها معهم للمحافظة على الحد الأدنى من مصالحها فيها، كما حدث بعد الانسحاب من الهند الصينية، إذ تم الانفتاح على بكين التي دعمت الثوار الشيوعيين في فيتنام الذين هزموا أميركا، وفي الخليج العربي أثبتت إيران جدارتها وتماسكها فسلمتها العراق، ولا مانع لديها كما تركت فيتنام للشيوعيين أن تترك المنطقة للمشروع الشيعي السياسي الذي لم يتعرض للمصالح الأميركية منذ عام 1979، ولم يقتل أميركياً واحداً في العراق وأفغانستان، بينما قتلت السلفية السنية 5 آلاف أميركي في 11سبتمبر 2001.وها هي واشنطن تترك سورية لإيران لتفعل بها ما تشاء من الجرائم التي لم تشهد لها الإنسانية مثيلاً، بل تغطي على المذابح التي يتعرض لها الشعب السوري، كما أن مشاهد الأطفال السوريين المحاصرين الجوعى وهم يأكلون الحشائش لم تحرك الإنسانية لدى أميركا التي انتفضت وأرعدت وأزبدت من أجل جنوب السودان! بل إن واشنطن تناور مع موسكو ولندن للتغطية على أفعال الإيرانيين وحلفائهم من الميليشيات اللبنانية والعراقية في سورية.الرئيس أوباما أعلنها صراحة في ديسمبر 2012 لمجلة "التايم": "إن الطفرة المفاجئة في إنتاجنا من النفط والغاز الطبيعي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تحول في العلاقة مع الشرق الأوسط، إذ ستصبح الولايات المتحدة مصدراً صافياً للطاقة"، هكذا أطلق التنبيهات لحلفائه في المنطقة بأن التغيير آتٍ وأن الناخب الأميركي الذي انتخبه دورتين ببرنامجه الانسحابي من دور أميركا كقطب العالم الأوحد يريد أن تتغير أميركا، ولا يريد أن يرسل أبناءه للقتال خارجها حتى لو أدى ذلك إلى تقديم تنازلات لروسيا وإيران، وهذا ما فهمته طهران فتمددت من العراق إلى سورية، وموسكو أيضاً، فاستولت على القرم.هذه المعطيات كلها تؤكد أن زيارة أوباما هي زيارة تخديرية بروتوكولية حتى يكتمل الانسحاب الأميركي وعملية التسلم والتسليم بهدوء في المنطقة، ولذلك سيترك باراك سورية لتمزقها إيران وحزب الله والأقليات ليكون محيط إسرائيل أكثر أمناً، وسيتم دعم الإخوان المسلمين في مصر لإغراقها في الفوضى، وستظل الإدارة الأميركية تسرب التقارير عن مخاطر المتطرفين في سورية ومحاذير تسليحهم مع علم البيت الأبيض بأنهم صنيعة طهران ويتم تمويلهم منها لتبرير قتل ثوار الحرية والانعتاق من الحكم الاستبدادي الأسدي ووارثيه.لذلك فإن الحل بتحالف الراغبين من العرب لمواجهة المشروع الذي ينفذ في المنطقة هو الخيار الوحيد المتاح وليس انتظار أن يغير أوباما وإدارته مواقفهم لأنهم اتخذوا قرارهم الاستراتيجي ولن يتراجعوا عنه، وعلى المملكة العربية السعودية ومصر وكل العرب القادرين أن يدافعوا عن وجودنا ومصالحنا، لاسيما القاهرة التي يجب أن تدرك أن ما يحدث في سورية أمر سيستهدفها في النهاية ولا تحصره من خلال منظورها لنزاعها مع الإخوان المسلمين، لأن العالم العربي يواجه مخططاً كبيراً لتفتيته والاستيلاء عليه وحكمه لعقود مقبلة من طهران وتل أبيب، إن استكمل المشروع ونجح برعاية ودعم واشنطن.
أخر كلام
أوباما قبل الرياض وبعدها... لم يتغير شيء!
06-04-2014