دروس أمنية!
من يقرأ مواد الاتفاقية الأمنية يستنتج ضعف ثقة هذه الحكومات بشعوبها ووضعهم في خانة الشك والريبة ولو بالكلمة أو الرأي أو النقد الصريح والمباشر، وهذا بيت الداء في تشخيص التحديات الأمنية الحقيقية، والبون الشاسع في فهم طبيعة التهديدات الأمنية وجذورها وتطبيقاتها بين العقلية الحكومية والشعبية.
الوقفة الوطنية الحاشدة ضد الاتفاقية الأمنية آتت ثمارها ونجحت في التعبير عن الرفض الشعبي الكاسح لمناقشتها والتصويت عليها من مجلس الأمة، والمشهد السياسي الذي عكسه الحراك الميداني عبر الندوات واللقاءات الإعلامية سجل انتصاراً جديداً لإرادة الناس الحقيقية، ليس عبر مجلس الأمة هذه المرة إنما من خلال الشخصيات السياسية والنخب القانونية من خبرائنا الدستوريين والتيارات الوطنية على اختلاف مشاربهم، ليترجم بوضوح الثقل الشعبي الحقيقي وبمن يثق الناس أكثر!رفض الاتفاقية الأمنية بالصيغة التي وضعتها الحكومات الخليجية خطوة مهمة لكشف نمط تفكير الأنظمة وحرصها المحدود فقط في إطار حماية سلطتها ضمن أفق ضيق وقصير الأمد، ومن يقرأ مواد الاتفاقية على الرغم من الادعاء الرسمي بأنها منقحة ومعدّلة ومحسنّة، يستنتج ضعف ثقة هذه الحكومات بشعوبها ووضعهم في خانة الشك والريبة ولو بالكلمة أو الرأي أو النقد الصريح والمباشر، وهذا بيت الداء في تشخيص التحديات الأمنية الحقيقية، والبون الشاسع في فهم طبيعة التهديدات الأمنية وجذورها وتطبيقاتها بين العقلية الحكومية والشعبية.
ورفض الاتفاقية الأمنية لا يعني أن المنطقة تواجه مخاطر لا يستهان بها ويجب مواجهتها بحزم وحكمة، كمشاكل الجريمة المنظمة وغسل الأموال وتجارة المخدرات وأخيراً التطرف والإرهاب، ولكن أن يدس السم في العسل وأن تكون النوايا السياسية والآراء الناقدة والحريات العامة هي المستهدفة تحت هذا الغطاء المبهم، فبالتأكيد لن يكون ذلك مقبولاً بأي حال من الأحوال.ألم يكن من الأجدر أن تحدد الحكومات الخليجية مثل هذه الجرائم بشكل واضح وصريح وفي اتفاقيات أخرى طرق الوقاية والعلاج لتجنيب الدول وليس الحكومات شرور هذه المخاطر القاتلة؟ وألم يكن من الأجدر أن تبادر الأنظمة الخليجية إلى تبني اتفاقيات مشتركة لحماية أموال شعوبها من السلب والنهب، وإيقاف الفساد المالي والإداري واتخاذ خطوات إصلاحية جادة في نظمها السياسية والإدارية، وأن تفتح آفاق استيعاب الأفكار والطموحات للجيش المتدفق من الشباب الذي لا يعترف بأي خطوط حمراء في النقد والتقييم والتعبير عن الذات، قبل أن يتحول إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر بمطالبات سياسية جريئة وذات سقف عال من الطموح؟!أما الدرس الذي نتمنى أن الكثير من الشخصيات والتيارات والقوى السياسية في الكويت تحديداً قد استوعبه من الاتفاقية الأمنية والأسلوب الحضاري في التصدي لها بهكذا بنجاح، يتمثل بأن التقيد بالقواسم المشتركة والترفّع عن القضايا الهامشية وتغذيتها والنفخ فيها فئوياً، هو السبيل الأفضل لخلق جبهة وطنية قوية وواسعة قادرة على فرض إرادتها وفقاً لمصلحة عامة يستفيد منها الجميع بقدر متساو ومستحق، فهل يستمر هذا النهج أم أقل فتنة جديدة سوف تمزقنا مرة أخرى؟!