فهد الهندال... يحكي زمن العتمة!
أثناء تجوالي المعتاد في معرض الكتاب الأخير، لفت نظري كتاب بغلاف جميل للأستاذ فهد توفيق الهندال في عنوان {عتمة الكائن} (دار الفراشة، طبعة 2013، يقع في 115 صفحة من القطع المتوسط)، يضم ما يقارب 14 قصة قصيرة.
أثار كتاب {عتمة الكائن} استغرابي، لهذا اقتنيته بإصرار، لسبب وحيد، وهو أن الأستاذ فهد الهندال معروف في الوسط الثقافي كناقد، وله إصدارات من قبل لا تدور معظمها في فلك كتابة القصة القصيرة، رغم أن له أعمالا محدودة من القصص نشرها في الصحف، وتساءلت: هل سينجح في تقديم قصص متميزة، وهل سيكون لكتاباته النقدية السابقة أثر على ما يقدمه عبر هذا الكتاب، وهل سيكون ذلك مجازفة له؟ حتما لا أحد يتبين ذلك إلا بعد تصفح مواد الكتاب حتى النهاية .يغلف الكاتب بدايات القصص بمقاطع من فلسفة الـ {تاو} الصينية (ترجع إلى ما بين القرنين الرابع والسادس قبل الميلاد)، تتحدث عن مستوى الكون والأشياء، ومن تلك الأقوال التي سطرها: {من غير أن تطل من النافذة يمكنك رؤية دروب السماء}.
في مضامين القصص لم يدخل الكاتب المنازل من أبوابها كما فعل أغلب كتاب القصص الذين تعرضنا لهم من قبل، إنما دخل المكاتب من أبوابها لينقل صور المهمشين والمسحوقين إدارياً، ويبث شكواهم لنا، ويخرج بعضاً من أصواتهم المحبوسة في الصدور.عبر النصوص نرى قصة الموقف، حيث لا يزيد الحدث عن لقطة يومية أو لدقائق أو ساعات، أو يستمر ليوم آخر، وبذلك يتعايش القارئ مع الحدث في انسياب لغة مبسطة ليست سريالية، لكن مع غموض في النهايات يترك المتلقي يفكر ويعيد القراءة بهدوء.قصة موقفيكمن نجاح الكاتب في أن يقدم قصة موقف يذكرها القارئ، ولا ينساها، وتكون فريدة لا يجدها في سرديات كاتب آخر، فالقصة الأولى {بخور إداري}، رغم بساطة السرد فيها، سترسخ حتماً في ذهن القارئ ولن ينساها، حيث نهاية كائن وتمثل السقوط من أعلى عندما يُعرض عليه وظيفة بدون حتى وصف وظيفي، وهي {مُبخّر} يستقبل الكبار... أية إهانة هذه! أسلوب السرد واضح وغير تقريري، وهذا يعتبر اختزالاً لأفكار، وهي مقدرة لا يتمتع بها كتاب كثر، لذا يقدم الكاتب حدثاً يعتمد قضية، لكن قد يعتبرها البعض ثانوية، إلا أنها تكون ذات أهمية، وهي أن البعض يعيش على الهامش، ولا يصنع ملامح مجتمع، إنما مجرد مراقب ومتذمر، وما أكثر هذه النماذج في مجتمعنا، ومن هذه النصوص قصة {التحليق... داخل القفص أيضاً} فنرى البطل تهرب منه سنوات من عمره وهو يراقب قفص حمام...ومن قول سيروس: {المرء يموت مرتين عندما يموت بإرادة آخر}، يقدم لنا القاص ملامح وجه متقاعد يتذكر أياماً مضت، وهو يبحث عمن يكرمه في ذلك اليوم المشهود ، رغم أنه أصبح اسماً في ملف وضع في المخازن أو... كما في قصة {تكريم ميت}.وفي نص {رقص في منتصف الظهيرة} نكتشف ذلك الكائن كما وصفه الكاتب بأنه مجرد {كائن رحل بلا عودة وتم إغلاق الأبواب أمامه حتى لو جاء للسلام وتقديم التهاني لكائن آخر}.أما نص {ساحات مزحومة} فيمثل انتهاء عمل كائن ووداع أخير في مؤسسة ترفضه بلا مبرر .بهذا العمل، وضع الأستاذ فهد الهندال اسمه على درجات في مسيرة القصة القصيرة في الكويت، وكتب بأسلوب مختلف، ليرفع أهات من هم بالمكاتب يبتغون الرزق، ويتخلون عن مبادئهم حسب الطلب مجبرين صاغرين للاستمرار وتأمين لقمة العيش.ما دونته هو عرض ورأي، وليس تقييماً أكاديمياً، وإن كانت ثمة نقطة ضعف في العمل إلا أنها لا تخلّ بالمضمون، وهي عدم جودة ورق الكتاب، كذلك صف الفقرات مقارنة مع المضمون والإخراج المتميز للغلاف.في آخر الكتاب دوّن المؤلف التالي: {الانتظار كائن غامض يفترس ضحاياه بكل تلذذ وهدوء، يعزف موسيقاه بكل ألحانه، لا يطرب إلا من يفضلون أمده المر الطويل على رحيل مباغت أكثر ضراوة ومرارة}.السؤال المطروح: هل خرج الأستاذ فهد الهندال من بيت النقد، ليدخل ساحة القصة والرواية الرحبة؟ اعتقد ذلك .