تكمن خطورة الاتهامات المتداولة المتعلقة بالرشا السياسية وسرقة المال العام وغسل الأموال في أنها تطول، إن صحت، مسؤولين كبارا سابقين وربما حاليين في الدولة، وهي تعني، إن صحت أيضاً، أن الفساد السياسي قد بلغ درجة متقدمة وخطيرة قد تؤدي في حال تجاهلها من قِبل السُلطة إلى فقد الناس ثقتهم بالقانون والسلطات العامة.

Ad

 ما ذُكر يظل حتى الآن مجرد اتهامات أو شبهات كان يفترض أن تتعامل معها الحكومة المهيمنة دستورياً على مصالح الدولة بدرجة كبيرة من المسؤولية وبشفافية عالية، فتحقق فيها، وتتأكد من صحتها، ثم تقوم بعد ذلك بمعاقبة من أطلقها إن ثبت عدم صحتها، أو المتورطين فيها، ولكن الحكومة قامت، بدلاً من ذلك، باتخاذ موقف مسبق؛ مما جعلها في وضع لا تُحسد عليه؛ لأنها أصبحت طرفاً غير محايد، أما هيئة مكافحة الفساد فهي لا تتمتع من الأساس بأي استقلالية تجعلها مؤهلة لمكافحة الفساد الحكومي، حيث إنها تتبع مباشرة لوزير العدل، وقد زاد الطين بلة الموقف المُسبق لوزير العدل والحكومة.

والأمر ذاته ينطبق على باقي السلطات، فقد اتخذ كبار قيادييها موقفاً مسبقاً أيضا قبل التحقق من صحة الاتهامات بالرغم من أنه كان يفترض ألا تنحاز السلطات العامة في أي قضية خلافية في المجتمع قبل التحقق والتأكد من الاتهامات؛ كي لا تحوم الشكوك حول موضوعية التقارير التي من الممكن أن تقدمها الأجهزة الرقابية التابعة لها، كديوان المحاسبة التابع لرئيس المجلس.

الاتهامات خطيرة والإشاعات كثيرة، وهي تمثّل، إن صحت، فضائح سياسية من الدرجة الأولى، وإن تجاهلتها السُلطة فلن يتجاهلها الشعب لأنها تمس حاضر وطنه ومستقبله، لهذا فإن المطلوب هو مصارحة الشعب وإطلاعه على الحقائق أولاً بأول.

 وفي هذا السياق، فإن هناك، كما هو معروف، تجارب عالمية يمكن الاستفادة منها للتحقق من صحة تهم الفساد السياسي التي طالت السلطات العامة، ومن ضمنها، أي التجارب، تشكيل لجنة عليا تابعة مباشرة لرئاسة الدولة ومُكوّنة من شخصيات عامة محايدة مشهود لها بالكفاءة والنزاهة، على أن تستعين بمؤسسة دولية متخصصة ومحايدة، بحيث تقوم بالتحقق من المستندات والوثائق والتهم التي أُعلن عنها، ثم تتبّع حركة انتقال الأموال (التحويلات المليارية الخارجية).

 وتحدد فترة زمنية قصيرة كي تعلن نتائج أعمال اللجنة التي يجب أن يترتب عليها معاقبة من يثبت تورطهم في الفضائح السياسية مهما كانت مناصبهم، واسترداد الأموال المنهوبة، ثم معالجة الأسباب الرئيسية التي أدت إلى استشراء الفساد السياسي؛ كي يطمئن الناس أن هناك جديّة في مكافحة الفساد بأنواعه كافة، فلا يفقدون ثقتهم بمؤسسات الدولة.