تتجه التعديلات نحو تخفيف عقوبات التلاعب، وهو ما يثير الشكوك أكثر في وجود مصلحة لأطراف معينة في تعديل قانون هيئة الأسواق، فهناك مساعٍ للعبث في العقوبات الحالية الخاصة ببعض مخالفات الأسهم.
بدا لافتاً منذ اتخاذ لجنة التأديب التابعة لهيئة أسواق المال لإجراءات عقابية في حق مجموعة من المتلاعبين في سوق الكويت للأوراق المالية، شن مجموعة من المتضررين حملةً ضد قانون الهيئة، بغية تعديله بما يقلل من صلاحيتها واستقلاليتها، بحجة أن إجراءات الهيئة العقابية أدت إلى انكماش حاد في السيولة، وبالتالي من الضروري تعديل القانون لتعود التعاملات إلى سابق عهدها في البورصة!ورغم أن علة سوق الكويت للأوراق المالية تتعلق بضعف البيئة الاستثمارية وتراجع الإنفاق الرأسمالي، فضلاً عن أزمة سيولة سببتها ديون الشركات ومصاعب الإقراض، فإن صوت المتضررين من إجراءات الهيئة العقابية وصل إلى مجلس الأمة، فقُدِّمت مشاريع قوانين لتعديل قانون الهيئة إضافة إلى تخصيص ساعتين في جلسة المجلس يوم الأربعاء المقبل لمناقشة "أوضاع" هيئة أسواق المال، ما يعني أن هناك مَن يريد أن ينتقم من الهيئة بتحميلها مشكلات ليست من صميم عملها أصلاً كضعف التداول أو تراجع المؤشر.تدخل النوابقد يتساءل البعض: أليس من حق النواب، ومن قبلهم المتداولين في السوق، السعي إلى تعديل القانون أو تطويره ما دام اكتُشِف قصور فيه؟والإجابة، أن التعديلات لا تستهدف تطوير عمل الهيئة ولا معالجة القصور، بل تسعى إلى فقدان هيئة أسواق المال لاستقلاليتها التي نص عليها القانون رقم 7 لسنة 2010 بشأن إنشاء هيئة أسواق المال وتنظيم نشاط الأوراق المالية، عبر إقحام وزير التجارة في صلاحياتها بشكل مباشر لدرجة تجيز للوزير إنهاء عضوية المفوضين، وتعيين أعضاء لجنة التظلمات، وتحويل مرجعية الموظفين في التعيينات والدرجات من الهيئة إلى ديوان الخدمة المدنية.هذه تعديلات تستهدف خلق آلية غير موجودة حالياً تسمح للنواب ولغيرهم من ذوي النفوذ بالتدخل في عمل الهيئة والتعيينات فيها، خصوصاً في مجلس المفوضين عبر الضغط على الوزير المختص، فضلاً عن السماح بعودة الازدواجية التي كانت موجودة ما بين إدارة بورصة الكويت ولجنة سوق الكويت للأوراق المالية، حيث كانت إدارة البورصة تتأثر سلباً أو إيجاباً بعلاقتها مع وزير التجارة بصفته رئيس لجنة السوق، وهو ما سبب إرباكا لفترات في عمل البورصة وتطويرها.تخفيف العقوباتكذلك تتجه التعديلات نحو تخفيف عقوبات التلاعب، وهو ما يثير الشكوك أكثر في وجود مصلحة لأطراف معينة في تعديل قانون هيئة الأسواق، فهناك مساعٍ للعبث في العقوبات الحالية الخاصة ببعض مخالفات الأسهم التي حددها القانون الحالي بين 5 و100 ألف دينار أو 20 في المئة من قيمة الصفقة أيهما أعلى، واستبدالها بعقوبة أخرى من 50 إلى 500 ألف دينار مع إلغاء الـ20 في المئة، ما يثير التساؤل بشأن ماذا لو كانت الغرامة وفق الـ20 في المئة بملايين الدنانير؟ وهل التعديلات تستهدف تحقيق النفع لهيئة الأسواق والمتعاملين والشفافية في السوق أم تستهدف تخفيض العقوبات على المتلاعبين، خصوصاً أن هناك صفقات بعشرات الملايين والـ20 في المئة فيها أيضاً بالملايين، فلماذا تسعى التعديلات إلى حرمان الهيئة من الغرامات وتخفيفها على المتلاعبين؟!ومن التعديلات التي لا تخدم مصلحة صغار المساهمين أيضاً المقترح الخاص برفع نسبة الاستحواذ من 30 في المئة إلى 50 في المئة، وهذا إضرار مباشر بمصالح هؤلاء الذين تضرروا كثيراً من عمليات الاستحواذ قبل تأسيس هيئة أسواق المال، إضافة إلى أن صياغة التعديل أضعف بكثير من صياغة النص الحالي، ففي حين يقرر قانون الهيئة الحالي أن مَن يمتلك حصة 30 في المئة بشكل مباشر أو غير مباشر عليه أن يتقدم بعرض استحواذ إلزامي لبقية الأسهم، فإن التعديل المقترح يتحدث عن تحول المستحوذ من حالة غير مسيطر إلى مسيطر، ما يفتح باب النقاش حول وضع الأسهم غير المباشرة في حالة السيطرة... أي أن النص المقترح أقل وضوحاً وجزماً من النص الأصلي، مما يجعل عمليات الاستحواذ أقل وضوحاً وشفافيةً و"قد" يكتنفها قدر من التلاعب.باب فرجومن التعديلات التي تفتح باب الشك والريبة ما يتعلق بتعديل المادة 119 من قانون الهيئة التي تجرّم الحصول على منفعة أو مصلحة للنفس أو للغير مقابل إفشاء "السر أو المعلومة أو الخبر"، في حين أن التعديلات تجرّم الحصول على منفعة أو مصلحة للنفس أو للغير مقابل إفشاء "السر" فقط دون تجريم استغلال المعلومة أو الخبر، وهذا "باب فرج" للمتلاعبين الذين سيحاولون إثبات أنهم حصلوا على معلومات أو أخبار لا أسرار... وهنا نتحدث عن مادة محكمة يتم تعديلها إلى مادة أقل إحكاماً ووضوحاً وفيها هامش أكبر من التحايل.ليس ثمة قانون لا يجب تعديله وليس هناك "تابو" في أي مادة من مواد القانون لا يجوز الاقتراب منها أو نقدها، لكن التعديل يجب أن يراعي الحاجة الفنية لا السياسية أو المصلحية، وأن تكون المنطلقات اقتصادية صرفة، وألا يؤدي التعديل إلى إضعاف الرقابة أو الحد من استقلالية مؤسسة تقدم نموذجاً في إدارة قطاع يتولى عملية الأوراق المالية بكل ما فيه من تشابكات ومصالح وعلاقات وملكيات.تجربة السعوديةما يحدث في الكويت حالياً يشبه ما حدث في المملكة العربية السعودية عام 2006 عندما انطلقت هيئة السوق المالية وما صاحب ذلك من ضغوط لمنعها من أداء مهامها، وتم اتهامها بـ"تخريب السوق"، لكنها استمرت في سياساتها وباتت اليوم واحدة من أفضل الأسواق المالية في المنطقة، وهذا ما نحتاج إليه في الكويت، وأن نتعامل مع هيئة السوق تعاملاً فنياً وندعمها في تطبيق القانون، خصوصاً على المتلاعبين ليعرف كل متجاوز أن هناك قانوناً مشدداً يجب تطبيقه دون تمييز.
اقتصاد
تقرير اقتصادي : العبث في البورصة يبدأ من الضغط لتغيير قانون هيئة الأسواق
27-03-2014