بن لادن اعتبر أفغانستان أمراً ربانياً يحقق نبوءة «الرايات السود»

نشر في 10-03-2014 | 00:01
آخر تحديث 10-03-2014 | 00:01
في السادسة عشرة من عمره انطلق عميل مزدوج سَمّى نفسه، لأسباب أمنية، «رمزي» لتحط أقدامه في الكثير من عوالم الجهاد والاستخبارات التي فتحت أبوابها مشرعة أمام شباب العرب، بدءاً بالحرب في البوسنة والهرسك في منتصف التسعينيات انتقالاً إلى الشيشان وغيرها من البقاع التي باتت محطاً لأحلام الشباب العربي في رحلة «البحث عن الجنة». لذا كان اقتفاء أثر تلك الرحلة من التجارب المهمة التي تستحق التوقف عندها في حديث العميل المزدوج «رمزي» لصحيفة «الحياة» اللندنية وتنشره «الجريدة» بالتزامن معها.

يتحدث العميل المزدوج "رمزي" في هذه الحلقة عن سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، وكيف فر هو ومتطوعون يتدربون في معسكرات موالية لقلب الدين حكمتيار من أمامها عندما اجتاحت مقرهم في جلال آباد. يقول إن "طالبان" جاؤوا يحملون المصاحف في أيديهم، وأبلغوهم أنهم إذا استسلموا فسيكونون موضع ترحيب في أفغانستان، وهو ما حصل. يروي قصة لقائه الأول مع أسامة بن لادن وعن شكاوى الخليجيين من إحاطة المصريين به. ويروي قصة انتقاله إلى "الجهاد" في الفلبين، فوجد نفسه وسط طرفين لا يريدان القتال وأمام ديدان "مصاصة للدماء".

طبول «طالبان»

• أخبرنا عن عودتك إلى أفغانستان؟

- في أغسطس 1996 رجعت إلى معسكر أبوروضة في أفغانستان. في ذلك الوقت كانت حركة طالبان عرضت على حكمتيار التحالف لكن بشرط مبايعته للملا عمر، وعدم تنظيم انتخابات، وهو ما رفضه حكمتيار لأنه كان يرغب في تنظيم انتخابات في أفغانستان.

رفض حكمتيار عرض "طالبان"، وقرر في المقابل التصالح والتحالف مع عدوّيه السابقين برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود اللذين حاربهما أربع سنوات. وبناء على هذا التحالف، انتقل حكمتيار إلى كابول وأصبح رئيس الوزراء.

عدد كبير من الشباب العرب الذين قاتلوا مع حكمتيار توقفوا عن دعمه بسبب هذا التحالف ورفضوا القتال معه ضد "طالبان". حين وصلتُ إلى معسكر أبوروضة، كان الجو العام كئيباً بين المقاتلين العرب لأنهم شعروا بأن بطلهم الإسلامي الذي حاربوا إلى جانبه لسنوات قرر التحالف مع الأعداء السابقين.

وكان السؤال الذي يدور في أذهانهم كيف نتحالف معهم ونحن من كفّرهم وحاربهم؟ والآن يجب علينا أن نحارب مع الكفار القدامى؟

بعد وصول أسامة بن لادن إلى أفغانستان بسبعة أسابيع، أي في سبتمبر 1996، استطاع نحو 30 ألف مقاتل من حركة طالبان الالتفاف على الحدود الباكستانية والعبور إلى منطقة ميران شاه الباكستانية، والدخول إلى أفغانستان من خلال ممر خيبر، والتقدم ليلاً باتجاه جلال آباد. في ذلك اليوم، استيقظنا على صوت الدكتور محمد حنيف الأفغاني من الحزب الإسلامي الذي أخبرنا أن "طالبان" دخلوا جلال آباد. استغربنا من الخبر لمعرفتنا بصعوبة وصول "طالبان" إلى تلك المنطقة لوعورتها. سادت حالة من الهرج والمرج في المعسكر، لم نكن نعرف ما العمل. الكل كان يخشى "طالبان" خصوصا أننا كنا محسوبين على حكمتيار.

كان بن لادن قد رجع إلى أفغانستان قبل ذلك الوقت بنحو شهرين قادما من السودان، وكان يقطن في منطقة يونس خالص القريبة منا. علمنا أن بن لادن لن يتحرك من مكانه وسيتفاهم مع "طالبان". لم نكن نعرف ما العمل، لكن احتياطا قمنا بتفجير الدبابة التي كنا نملكها وحملنا أسلحتنا وهربنا إلى منطقة سروبي، وهي منطقة بين جلال آباد وكابول، وكانت أكبر قاعدة (للحزب الإسلامي) وبمنزلة قلعة طبيعية، وفيها أكبر سد مائي في أفغانستان.

تمركزنا فوق السد، وكان صوت طبول مقاتلي "طالبان" يقترب منا، وبعد فترة رأينا صفوفاً طويلة وعشرات من شباب "طالبان" في العشرينيات من عمرهم حاملين المصاحف في أيديهم وغير مسلحين، ومن خلفهم ظهر مقاتلو "طالبان" المسلحون. كانت رسالة "طالبان" لنا بأننا لا نريد قتالكم إذا استسلمتم وأنتم في أمان.

أحد المقاتلين الذي كان بجانبي رفض القتال وألقى سلاحه وقال: "لن أقاتل من يحمل المصاحف". تركنا السد وتوجهنا إلى كابول التي كانت في مرحلة فوضى عارمة، ورأيت هناك لأول وآخر مرة أحمد شاه مسعود. كانت عيناه دامعتين وغاضباً لسقوط دفاعاته. وبعد ساعة كانت حركة طالبان في كابول. بعد سقوط المدينة توجه حكمتيار إلى منطقة بغلان في الشمال وتوجه أحمد شاه بطائرة هليكوبتر إلى منطقة بانشير، وجزء من القيادات العربية ذهب مع حكمتيار.

• ماذا فعلتم أنتم؟

- قررنا الذهاب إلى قلعة مدمرة تسمى "بلحصار" في وسط كابول للمكوث فيها إلى حين مجيء "طالبان" للتفاهم معهم، وكنا نحو أربعين شخصاً. جزء من المقاتلين العرب الذين رفضوا ترك معسكر أبوروضة حين دخلت "طالبان" جاؤونا إلى قلعة "بلحصار" وأبلغونا أننا في أمان، وأن "طالبان" لن تسلمنا إلى الجيش الباكستاني.

فور خروجنا من القلعة وجدنا مقاتلي "طالبان" مصطفين حول ممر الخروج من على الجانبين، وحين رغبنا في وضع أسلحتنا على الأرض وتسليمها لهم، جاء قادة "طالبان" وطلبوا منا الاحتفاظ بأسلحتنا وقالوا لنا: "معسكراتكم موجودة وبيوتكم موجودة، أنتم منا وأهلنا وضيوفنا وإخواننا"، فوجئنا بموقفهم لأننا في الأمس كنا نحاربهم مع حكمتيار.

بعد ذلك دعونا لرؤية عملية إعدام الرئيس السابق لأفغانستان نجيب الله وشقيقه في وسط الساحة العامة. عملية الإعدام شهدت عناق "طالبان" وعناق المقاتلين العرب وتهنئتهم ودعوتهم بـ"المهاجرين"، وقالوا لنا إن بن لادن موجود في معسكر يونس خالص في جلال آباد، وهو معزز مكرم ودون أي مضايقات. ومن ذلك الوقت بدأت العلاقة بين "طالبان" وأسامة بن لادن.

• هل كان هناك مقاتلون عرب مع "طالبان" في ذلك الوقت؟

- لا، الجميع كانوا من الأفغان.

نضال السوفيات

• هل تعتقد أنه كان هناك اتفاق بين "طالبان" وبن لادن؟

- لا أعتقد ذلك. حين وصل "طالبان" إلى بن لادن لم يكونوا يعرفونه، وحين عرّفهم بنفسه استحضروا تاريخه في قتال السوفيات وبالتالي رحبوا به.

• هل من المعقول أن "طالبان" لم يتعرفوا إلى بن لادن وهو من قاتل السوفيات على أراضيهم؟

- كبار السن من الأفغان يعرفونه، لكن شباب "طالبان" لا. "طالبان" كانوا طلاب المدارس الإسلامية في باكستان، وهم شباب صغار من مدارس دينية. الملا عمر نفسه كان عمره 28 سنة حين قاد حركته. بالتأكيد كانت هناك مراسلات بين مضيف بن لادن الشيخ يونس خالص و"طالبان" وأبلغهم أن بن لادن تحت حمايته. يونس خالص كان يتمتع باحترام "طالبان" وتقديرهم لعدم انخراطه في الحرب الأهلية الأفغانية ولتاريخه النضالي ضد السوفيات، وكان فكرياً أقرب إلى "طالبان".

الملا عمر طلب من بن لادن أن ينتقل إلى قندهار ليكون بجانبه. وكنا نتساءل: هل يريد الملا عمر بذلك الاستفادة من خبرات بن لادن، أم يريد أن يبقي العين عليه؟ أعتقد أن الملا عمر أراد الاستفادة من بن لادن لأنه كانت هناك ثقة بين الطرفين منذ البداية واستفادوا من بعضهما.

• كيف كانت علاقة أحمد شاه مسعود بأسامة بن لادن؟

- لم تكن هناك أي علاقة، شاه مسعود طاجيكي وكان في الشمال وليس بشتونياً. وعدد المجاهدين العرب الذين كانوا يذهبون إلى الشمال كان قليلاً. كان المقاتلون العرب يشعرون أن مسعود لم يكن مخلصاً في الجهاد، وأن لديه اتفاقات سرية مع الروس تنص على أنه في حال انسحابهم فسيمدونه بالسلاح للسيطرة على كابول وإنشاء منطقة عازلة بين طاجيكستان والمجاهدين البشتون في الجنوب وبقية أفغانستان.

• هل هذا صحيح؟

- أعتقد أنه صحيح، لكن شاه مسعود كان مضطراً، لأنني اعتقد أنه لم يكن بهذا السوء.

• وماذا عن الروايات التي تقول إنه كان على علاقة بإيران؟

- لا، هذا غير صحيح، شاه مسعود كانت له علاقات مع الفرنسيين، وكانت علاقات قوية بحكم انه درس في مدارس فرنسية في أفغانستان. وكان الفرنسيون يمدونه بالسلاح. كما كانت له علاقة قوية أيضاً مع البريطانيين والروس لأنه كان يقود عملية مضادة لـ"طالبان".

الترابي و«الإخوان»

• هل تعرف تفاصيل عن عملية قتل مسعود عام 2001؟

- قتلته "القاعدة" ومن دون علم "طالبان". أرسلوا اليه شابين مغاربيين تخفّيا على أنهما صحافيان وأخفيا القنبلة في الكاميرا. الإثنان اللذان قتلاه كانا معنا في المعسكرات (...) "القاعدة" لم تُعلم طالبان لأنها كانت تقول "إن المعرفة تعني خطيئة".

• هل انضممت إلى "القاعدة" وبايعت بن لادن خلال تلك الفترة؟

- لا، لم انضم إلى "القاعدة" ولم أبايعه خلال تلك الفترة لكنني رأيته وقابلته، وفي أغسطس 1996 عرض عليّ شباب معسكر أبوروضة من منطقة تبوك مرافقتهم لزيارة أسامة بن لادن في "يونس خالص"، وافقت وذهبت معهم، وكنا نحو 14 شخصاً، وكانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها بن لادن.

كان المجمع مملوءاً بالشباب المصريين، وأطلقنا تندراً على المجمع اسم "مجمّع المصريين" بدلا من مجمع "يونس خالص". حضرت الاجتماع غالبية قادة "القاعدة" مثل أبوحفص المصري ومصطفى أبواليزيد وأبوالحارث المصري وغيرهم.

• ماذا عن أيمن الظواهري؟

- لا، لم يكن في الاجتماع، كان في ذلك الوقت قد خرج لتوه من سجن داغستان كما شرحت سابقاً ودفعنا 40 ألف دولار لإخراجه من السجن في منتصف عام 1996.

• عمّ تحدثتم في ذلك الاجتماع؟

- تحدث في الاجتماع بن لادن إلى الشباب عن الخيانات التي تعرّض لها في السودان من جانب (حسن) الترابي و(عمر) البشير وبالذات من جانب الترابي. وقال بالحرف الواحد: "هكذا هم الإخوان المتلونون"، كان يرى أن الترابي محسوب على تيار الإخوان وهذا دليل على الفرقة بين "الإخوان" و"القاعدة".

حاول بن لادن في هذا الاجتماع تجنب الاعتراف المباشر بالفشل في السودان، وأن الذهاب إلى هناك كان فشلاً ذريعاً. قال: "عودتنا إلى أفغانستان أمر رباني محتوم مقدر من عند الله عز وجل حتى نبدأ من جبال خراسان". لم يسمها أفغانستان بل خراسان وفق النبوءات التي تقول إن الرايات السود من خراسان. وتابع: "من هنا من خراسان سيكون المنطلق إن شاء الله".

بعد انتهائه من حديثه، نظرنا إلى بعضنا بعضاً باستغراب، كنا نطمح إلى المزيد من التفصيل. سألناه: لو أعطيناك البيعة ودخلنا معك في التنظيم، ماذا سيكون دورنا وما المطلوب منا؟ كنا نرغب في معرفة من سنقاتل؟ قال: "إن شاء الله حين تبايعونني سأشرح لكم". في الاجتماع تحدث عن أرض الحرمين والسعودية ودخول القوات الأميركية إلى السعودية.

أحد الشباب من منطقة تبوك سأل بن لادن: "يا شيخ هل كان لكم دور في تفجيرات الخبر؟"، كانت التفجيرات قد وقعت قبل شهر ونصف من الاجتماع وأودت بحياة نحو 19 أميركيا. فردّ بن لادن: "لا، فاتنا الشرف، لم نقم بها". ولو ان بن لادن قام بتلك العملية لاعترف بذلك، لأن ذلك الاجتماع كان خاصاً بالمجاهدين.

بعد سؤالنا عن البيعة تدخل أبوحفص نائب بن لادن وقال: "نحن لا نعلن ونروّج لخططنا وأهدافنا، والبيعة يا شباب عهد سري، والرسول يقول: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان". فلذلك لن نعلن عن أهدافنا إلا لمن أصبح منا وأعطانا العهد والميثاق والبيعة". بعد ذلك صافحنا بن لادن وقبّلنا رأسه ورجعنا. كنا أربعة عشر رجلاً في عربة واحدة.

• هل بايعتموه.

- لا. لم يبايعه أحد. لكن من هم حول بن لادن في ذلك الاجتماع كانوا من المبايعين.

• لماذا لم تبايعوه كالبقية؟

- لأننا لم نقتنع، أنا لم أبايعه إلا بعد 14 شهراً من هذا الاجتماع الذي لم يدم معه أكثر من عشر دقائق، وكان اجتماعاً تعريفياً لكن ضيافته كانت سيئة.

• لماذا؟

- لم أقتنع، والغالبية العظمى من الشباب لم تقتنع، وللمعلومة حتى أواخر عام 1996 واحد من كل أربعة من الشباب الجهاديين العرب بايع بن لادن. كان هناك غموض نفّر الشباب منه. كما أن الشباب المجاهدين لم يكونوا مهيئين نفسياً للدخول في حرب صفتها العامة عمليات إرهابية -تفجيرات في المدن والخطف- كانوا لايزالون مبرمجين على الحروب التقليدية- حروب جيش مقابل جيش وجبهات مقابل جبهات مثل أفغانستان والبوسنة والشيشان.

 لم تحدث خلال تلك الفترة إلا ثلاثة تفجيرات هي: تفجير السفارة المصرية في باكستان، و"تفجير العليا" في السعودية في نهاية عام 1995 الذي أدى إلى مقتل خمسة خبراء عسكريين أميركيين، إضافة إلى تفجيرات الخبر المذكورة سابقاً.

«شلة إمبابة» والجهاد

• كنت مازلت في البوسنة عندما وقع تفجير العليا، فكيف كانت ردود فعل المجاهدين هناك؟

- تحدث إلينا الشيخ أنور شعبان في مسجد لواء المجاهدين بعد يومين من الانفجار، وقال إن التفجير خطأ سيدفع السلطات السعودية إلى التشديد على الجهاد والمجاهدين، ومن قام بالعملية هم الشباب المستعجلون، والسعودية ليست ساحة جهاد، على حد قول الشيخ. وهذا مؤشر على اختلاف الآراء بين تيار الجماعة الإسلامية الذي كان ينتمي اليه الشيخ أنور وتيار "القاعدة".

في طريق العودة (من اللقاء مع بن لادن في أفغانستان) تساءل أحد الشباب: ألم تلاحظوا أن عدد المصريين المحيطين ببن لادن أكثر من اللازم؟ فردّ شاب سعودي: "ما جاب البلاء لبن لادن إلا المصريون الذين أخذوه إلى السودان".

• لماذا هذا التحامل على الشباب المصريين؟

- أنا غير متحامل، لكن الشباب المصريين في التنظيم كانوا الأقل ثقة في أفغانستان على العكس من وضعهم في البوسنة، حيث كانوا في البوسنة موضع تقدير من الجميع.

• لكن لماذا هذا التفريق؟ هم في نهاية الأمر من المجاهدين في كلتا الجبهتين؟

- لأن المصريين الذين كانوا في البوسنة كانوا من الجماعة الاسلامية، وأكثرهم صعايدة من أسوان وأسيوط، وتعامل هؤلاء أقرب إلى البداوة التي يتميز بها شعب الجزيرة العربية، أما شباب "جماعة الجهاد" من القاهرة مثل أيمن الظواهري وأبوحفص المصري الذين كانوا يحيطون بأسامة بن لادن فقد كانوا مختلفين وكانوا أصوليين يسمّون "شلة إمبابة". ولم يتمتعوا بعزة النفس وقوة الشخصية التي يتمتع بها الصعايدة في الجماعة الاسلامية.

ديدان الفلبين

• ماذا فعلت أنت خلال تلك الفترة؟

- انخرطت في التدريبات والدورات، لكن لم أستطع التأقلم. سيطرة "طالبان" على أفغانستان والتشرذم والصراعات وتعدد المعسكرات والمجموعات الجهادية دفعتني إلى التفكير في مغادرة أفغانستان مرة أخرى. قمت باستغلال فرصة دعوة صديقي أبوالفاروق الكويتي لي للانضمام إليه في الفلبين. قابلت أبوالفاروق في البوسنة عام 1995 وكانت نهايته في عام 2006 على يد القوات البريطانية في البصرة.

أبوالفاروق الكويتي دعاني للانضمام إليه للجهاد في الفلبين، كان هو قد سبقني إلى هناك بشهر أو شهرين في نهاية عام 1996. في رسالته أخبرني أنه بدأ تشكيل كتيبة من المجاهدين العرب في الفلبين، وبالفعل في ديسمبر 1996 ذهبت أنا وخالد الحاج إلى الفلبين وانضممنا إلى "جبهة تحرير مورو الإسلامية" التي كان يقودها الشيخ سلامات هاشم، وقابلنا عبدالناصر نوح وهو فلبيني، وكان المنسق العام للجبهة، وانتقلنا برفقته إلى جزيرة ميندناو وكان في انتظارنا أحمد دولي، وهو قيادي فلبيني عاش في مصر والسعودية.

انتقلنا إلى الجبهة في الجبال على ظهر الدراجات النارية. والتقينا خلال الرحلة الحاج مراد ابراهيم نائب القائد العام لجبهة تحرير مورو الإسلامية الذي رحب بنا. وصلنا إلى معسكر الصديق مركز القيادة الرئيسي الذي يقطن فيه سلامات هاشم، وقابلنا أول عربي هناك وكان الطبيب أبومريم المصري، وكان إمام المسجد هو سلامات هاشم.

للوصول إلى معسكر الشباب العرب كان علينا تسلق جبل ارتفاعه أكثر من ألف متر. كانت رحلة صعبة محفوفة بالأخطار في وسط الأدغال، وخلالها رأيت حيوانات لم أرها من قبل في حياتي، كان جهاداً ضد الطبيعة، خصوصا أنني أخاف العناكب والثعابين. كنا نعاني الديدان التي تمتص الدماء من أجسادنا وأرجلنا خلال مشينا في الأدغال، ثم تنتفخ لتصبح بحجم الإصبع.

والأخطر من ذلك أن هناك نوعية من الديدان تمتص الدم من مناطق خاصة في جسم الإنسان مثل بياض العين ما يؤدي إلى العمى المؤقت ما بين 10 إلى 12 ساعة، وأكثر من مرة استيقظت من النوم لأجد هذا النوع من الديدان يسير على وجهي باتجاه عيني، وفي إحدى المرات وصلت الدودة إلى عيني وبدأت تمتص الدم، واستدركت الأمر وقمت بإغلاق عيني وسحب الدودة منها.

إذاعة الكويت و«السلّم والحيّة»

كانت حياة المعسكرات في أفغانستان صعبة وقاسية بكل معنى الكلمة، كنا نعيش في بيوت من الطين الأحمر، ننام على الأرض، والحمامات بعيدة نسبياً عن المعسكر وكانت عبارة عن أكواخ وعلى حافة جبل. معظم المعسكرات كانت بالقرب من مياه الآبار ومن مصدر للوقود للكهرباء والمواصلات.

فعاليات المعسكرات كانت تشمل حلقات القرآن والدروس الدينية والتدريبات الرياضية العسكرية، وفي المساء نشاهد أفلاماً سياسية مثل فيلم اغتيال السادات وأزمة الصواريخ الكوبية وغيرهما من الأفلام. طعام غدائنا رز وعدس، وفطورنا سكر وسميد وشاي. لكن الأمر يختلف في معسكر أبوخباب لأننا كنا نتناول طعاماً جيداً ودسماً مثل المعكرونة والتونة والحليب، لأننا كنا نتعامل مع مواد كيماوية وبالتالي يجب أن نتناول البروتينات.

وكنا نقضي الوقت في التدريب والقتال على الجبهات ضد أحمد شاه مسعود، وكذلك في مزار شريف كانوا يقاتلون ضد عبدالرشيد دوستم الجنرال السابق الشيوعي، وفي الوقت نفسه التدريب على عمليات الخارج.

أما عن الحياة الاجتماعية فكان الغالبية العظمى منا "عزاب"، لكن قيادات "القاعدة" كانت تتزوج من نساء القبائل الأفغانية والباكستانية.

لم نكن نشاهد التلفاز... لكن كانت لدينا راديوات. كنا نستمع الى إذاعة الكويت وكانت المفضّلة لنا لتفصيلها الأخبار، بالإضافة إلى "بي بي سي". أحد الشباب وجد لعبة "السلّم والحية" وجلبها الى المعسكر من جلال آباد وأصبحت اللعبة مركز اهتمام جميع الشباب الذين كانوا يتجمهرون حولها. وفي أحد الأيام دخل أحد المدربين علينا ونحن ملتفون حول اللعبة وقال: "أميركا مرعوبة منكم... لو جاءت الآن ورأتكم ستقول إن القاعدة نكتة".

«أسد» ومستشارون حمير

عدد من المصريين الذين كانوا مع بن لادن خلال فترة الجهاد ضد السوفيات ذهبوا معه إلى السودان، وحقيقة هم الذين أخذوا بن لادن إلى السودان كي يكونوا قريبين من مصر، والتخطيط لثورة وانقلاب هناك. كان الشباب العرب يشبهون بن لادن بـ"الأسد... ولكنه محاط بخبراء ومستشارين حمير".

وقال مجاهد سعودي: "لدي معلومات تقول إن بن لادن خسر في السودان 165 مليون دولار في مزارع الذرة والقمح والاستثمارات وفي مصانع زيت الطبخ وأراض شاسعة استولى عليها الترابي والبشير، خسرها بسبب اصرار المصريين على الجهاد في مصر وهم يعرفون أنها ليست أرض ساحة جهاد وكل ما فعلوه ذبح الناس في الأسواق والمجمعات".

كان بن لادن يتنقل بين المعسكرات وزيارة الملا عمر، وكان يقرأ كثيراً. كان يملك مكتبة كبيرة يقضي فيها وقتاً طويلاً في القراءة وتحضير خطبة الجمعة التي يلقيها بنفسه. كان أحياناً يلقي الدروس. كان معه ثلاث من زوجاته في المجمع في قندهار، وكان محباً لركوب الخيل والسباحة. كان دائماً مشغولاً باستقبال الوفود من باكستان وبلوشستان، كما كان يحب الصيد. كانت صحته ممتازة وكان بشوشاً.

ورغم ان بن لادن كان معروفا عنه أنه يتميز بالكرم، لكنه في ذلك الاجتماع لم يقدم لنا غير الشاي، رغم تكبدنا مشقة السفر إليه. كان الشباب في طريق العودة يتندرون بالقول عن تقصير بن لادن في حق الضيافة: "معليش يا شباب بن لادن حضرمي واجتمع على مصريين".

back to top