قال وزير الأوقاف اليمني الأسبق القاضي حمود الهتّار، إن محاولة الساسة الظهور بمظهر المتدينين تضر بالسياسة والدين في آن، مشيراً إلى أن الدماء التي تسيل على يد الساسة تحت لافتة الدين لابد أن توقظنا من سُباتنا العميق لندرك أن تسييس الدين مرفوض.
وأضاف الهتار في حوار مع "الجريدة" أن انتشار الفتاوى الشاذة هو أحد إرهاصات العبث السياسي الموجود على الساحة، وهو ما يلزمنا أن نعمل على مواجهة تلك الفوضى الإفتائية بكل السبل، التفاصيل في السطور التالية:• كثُر في الآونة الأخيرة ربط السياسة بالدين فظهرت الفتاوى التي ترتدي ثياب السياسة، كيف ترى ذلك؟- للأسف هذا يضر بالجميع، بالمتدينين وبالساسة والسياسة، والأهم من ذلك يضر بشعوب العالم، أما الدين الذي هو دين الله فلا يضره شيء، وانظر اليوم كم من الدماء تسيل تحت لافتة الدين، أو باسم الدين، وقد كان هناك تقرير أعدته مؤسسة غربية عن القتل باسم الدين، فوجدت أن أكبر نسبة قتل تمت في التاريخ كانت على أيدي المسيحيين، يليهم البوذيون، ثم المسلمون، فالهندوس، وكانت الأعداد مهولة، ولذلك فنحن نرفض تسييس الدين، لأن الإسلام هو الوعاء الجامع لكل أمور الحياة وهو القادر على ضبطها وتوجيهها لما يخدم البشرية ويحقق مصالحها في كل المجالات، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية... إلخ.• كيف تنظر إلى ظاهرة الدعاة الجُدد وهل اجتياحهم للساحة الفضائية جاء نتيجة لتراجع العالِم المستنير؟- كثير من الفضائيات الموجودة الآن تلجأ إلى استخدام الإثارة لجذب أكبر قاعدة من الجماهير دون النظر لتحقيق هدف التوعية الدينية، بل بهدف جني أرباح وهذه كارثة كبرى، لأن وجود هؤلاء الدعاة الجدد الذين يعتمد معظمهم على لباقة الحديث ومبدأ "خالف تُعرف"، أدى إلى انتشار فوضى الفتاوى بين المسلمين وانتشار الفوضى الفكرية والدينية بين أبناء الأمة، وليس وجود هؤلاء بسبب تراجع دور العلماء الموثوق في علمهم كما يزعم البعض، لأن العالِم المتخصص الذي يخاطب الناس بوسطية الإسلام قليلاً ما نجده موجوداً على هذه الفضائيات، التي لا يعنيها بث الفكر الديني الصحيح بقدر ما يعنيها رفع نسبة المشاهدة والأرباح وهذه النسب لا تتحقق إلا من خلال الإثارة التي يقوم بها هؤلاء الدعاة، ولا ننكر على أحد أن يقوم بالدعوة إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة، لكن ليس معنى ذلك أن تصبح الدعوة أرضاً خصبة لكل من يجد نفسه متميزاً بلباقة الحديث أو قارئاً لبعض الكتب الدينية فينصب نفسه داعية ومفتياً ويجلس على هذه الفضائيات ليحلل ويحرم دون وعي منه بأصول الأحكام وتخريجاتها وتشريعاتها، فهذا أمر من شأنه أن يؤدي إلى إحداث بلبلة دينية كبرى في المجتمعات الإسلامية.• ماذا عن فوضى الفتاوى وظهور الكثير من الفتاوى الشاذة في الفترة الأخيرة؟- على المستوى الشخصي أرفض الفتاوى الفردية وأؤكد أن الفتاوى يجب أن تكون مؤسسية تنطلق من الجهات والمؤسسات الخاصة بالفتوى داخل البلدان الإسلامية، وفي مصر الجهات المؤسسية المعتمدة للفتوى معروفة وهي دار الإفتاء ومشيخة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، بالإضافة إلى المجامع الفقهية المنتشرة في ربوع العالم الإسلامية وهي كثيرة وزاخرة بعلمائها، وهذه المؤسسات هي القادرة على تأصيل الفتوى بشكل علمي وديني يساعد على أخذ الناس لتعاليم دينهم بشكل صحيح، لأن الفتوى للأسف في الوقت الحالي أصبحت كلأً مُباحاً يرتع فيه كل من هب ودب، وهذه الفضائيات للأسف الشديد أهملت التخصص الديني ونصبت مفتين للناس صالحين من وجهة نظر القائمين على هذه الفضائيات فقط وليس من وجهة النظر الدينية الصحيحة، أما الفتوى الصحيحة فلها مؤهلاتها وضوابطها وهي أمر خطير جداً، لأن المفتي يعد بمثابة المبلغ عن رب العالمين في أحكام الشريعة، ولذا نقول للمرة الألف لسنا مع الفتاوى الفردية وإنما الفتاوى المؤسسية، لأن المؤسسة تعتمد على الفتاوى الجماعية المتفق عليها.• تعددت المشكلات الاجتماعية في كل أوطاننا الإسلامية من طلاق وعنوسة وعنف أسري فلماذا برأيك انتشرت تلك الظواهر المؤسفة؟- غياب الورع والتقوى والنفس الزكية أحد أهم أسباب انتشار تلك الآفات والمشكلات الاجتماعية الخطيرة في كل مجتمعاتنا الإسلامية والتزكية لمن لا يعرف مصطلح ورد في القرآن الكريم أكثر من مرة ولو قرأ المسلمون الآيات التي ورد بها مصطلح التزكية وعملوا بها لما عانوا من أية مشكلات ولكن للأسف فإن طبيعة الخطاب الديني والثقافى الموجه للمسلمين اليوم طبيعة مؤسفة فهو خطاب سيئ وضعيف إن لم يكن طائفيا ولا يحض على التزكية التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم ليربي المسلمين ويحسن من سلوكهم وللأسف أيضا فإن المسلمين توقفوا منذ زمن طويل عن تنزيل آيات القرآن على واقعهم فتخلفوا وتأخروا ففي موضوع التزكية مثلا يتخيل الكثيرون أن المقصود بها هو العطاء المالي فحسب رغم أنها قضية سلوك وتربية وهذا يدلنا على أن المسلمين في حاجة اليوم لخطاب إسلامي ثقافي مغاير للخطاب الحالي فالخطاب الإسلامي الصحيح يجب أن يتضمن قيما تحث على حسن التربية والسلوك والإيمان بأنه ليس هناك فاصل بين التربية المادية والتربية السلوكية والإيمان بأن الله سيرضى عن الإنسان فقط عندما يحقق هذا الإنسان ذاته بالطريقة الصحيحة فإذا كان الإنسان يريد التمتع بالجنس مثلا فليتزوج ويتحمل المسؤولية وإذا كان يريد التعلم فليتعلم بل وسيحصل على رضا من الله وأجر فقط عليه أن يتعلم علما نافعا وإذا كان الإنسان يريد الحرب فليحارب ولكن لتكن حربه دائما حربا دفاعية ومن هذا المنطلق فعلى الإنسان أن يعمل على أن تنعكس هداية القرآن الكريم على كل تصرفاته وسلوكياته بحيث يكون إنسانا متكاملا حتى تتحقق قيمة الأمة لأنه لا قيمة للأمة إذا لم يكن أفرادها أسوياء.
توابل
وزير الأوقاف اليمني الأسبق القاضي حمود الهتار لـ الجريدة.: «خالف تُعرف» مبدأ الدعاة الجُدد... ويجب القضاء على الإفتاء الفردي
10-07-2014